جرى يوم الثلاثاء بالرباط تدشين مقر الأكاديمية الدولية للفرنكفونية العلمية (AIFS – Académie Internationale de la Francophonie Scientifique)، خلال حفل ترأسه وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عبد اللطيف ميراوي، ورئيس الوكالة الجامعية للفرنكوفونية، سورين ميهاي كيمبينو، بحضور عدد من الشخصيات العلمية والسياسية الفرنكفونية وممثلي السلك الدبلوماسي المعتمد بالمغرب.

وتجسد الأكاديمية، المشروع الذي تبلور من قبل الوكالة الجامعية للفرنكفونية في إطار صياغة استراتيجيتها لمرحلة 2021-2025، الرغبة في تقديم استجابة مستدامة ومهيكلة ومتعددة الأبعاد لانتظارات أساسية عبر عنها العديد من الفاعلين في الوسط الجامعي الفرنكوفوني العلمي، والمتمثلة في تحسين المعرفة والفهم للفضاء العلمي الفرنكفوني عبر دراسات دورية ويقظة مستمرة ومقاربات استشرافية تساعد أصحاب القرار، وتثمين ثراء وتنوع الإنتاج العلمي الفرنكفوني، والنهوض بجاذبية الفرنكفونية العلمية وبالأخص لدى الشباب والأساتذة والباحثين. وستتمحور أنشطة الأكاديمية الدولية للفرنكفونية العلمية، التي تم توقيع اتفاقية المقر المتعلقة بإحتضانه في المملكة في ماي 2022 بين الوزارة باسم الحكومة المغربية والوكالة الجامعية للفرنكفونية، حول ثلاثة أقطاب صممت للاستجابة للتحديات المذكورة أعلاه.

ويتعلق الأمر بمرصد الفرنكوفونية المخصص لليقظة الاستشرافية والدراسات المحورية والترابية بهدف المساعدة على فهم التحديات واستباق التحولات التي من شأنها أن تؤثر على الفضاء العلمي الفرنكفوني، وقطب النشر وتثمين الفرنكفونية العلمية الذي يروم تثمين الامتياز العلمي عبر دعم إنتاح وترويج المتعارف باللغة الفرنسية وتحسين مقروئية الانتاجات العلمية، وكذا بقطب حوكمة مؤسسات الفضاء الفرنكفوني الذي يقدم خدمات الاستشارة ووضع الخبراء على ذمة المؤسسات المنخرطة في الوكالة والهياكل العمومية والهيئات الدولية المعنية بالشأن الجامعي، فضلا عن صياغة أطر مرجعية لمواصفات الجودة ودعم منظومات فرنكفونية بديلة في مجال الاعتماد واسناد علامات الجودة.

ويرافق الأكاديمية المجلس العلمي للوكالة الجامعية للفرنكفونية المنتمية أعضاؤه إلى 17 بلدا. ويشرف على حسن تسيرها مجلس إدارة متكون من 22 عضوا من بينهم رؤساء المؤتمرات الجهوية لرؤساء الجامعات ومسيري المؤسسات الأكاديمية الشريكة للوكالة. ويترأس مجلس الإدارة شخصية أكاديمية تتم تسميتها من طرف المملكة المغربية التي تحتضن الأكاديمية وبصفتها شريكا استراتيجيا للوكالة الجامعية للفرنكفونية في هذا المشروع.

وكلمة بهذه المناسبة، نوه السيد ميراوي بثقة الوكالة الجامعية للفرنكوفونية بالمملكة المغربية لاحتضان مقر هذه الهيكلة الأكاديمية الجديدة، التي ستواكب الفاعلين الجامعيين للاستجابة لرهانات الفرنكفونية العلمية. ولفت إلى أن تجسيد هذا المشروع المهم للغاية يتماشى مع الرؤية الملكية الداعية إلى تثمين رأس المال البشري، مشددا على القيمة المضافة لهذه الأكاديمية في سياق عالمي يتسم بتحولات على كافة الأصعدة، لا سيما على المستوى الجامعي. وأكد الوزير، في هذا السياق، أن جامعة الغد ستكون هي تلك المعنية بتمكين الطاقات بهدف تكوين شباب قادرين على التعامل مع هذه التحولات والمرونة والانفتاح على الآخرين ، مما يبرز أهمية تطوير الكفاءات الأفقية لدى قادة الغد، مع التركيز على العلوم الإنسانية والاجتماعية.

من جانبه، قال السيد سيمبينو إنه له الشرف بافتتاح هذه الأكاديمية التي أصبحت ممكنة بفضل دعم المغرب على مختلف المستويات (السياسية واللوجستية والبشرية ..)، واصفا هذا المشروع بالطموح من أجل خدمة الشباب في الفضاء الفرنكفوني. كما أكد على أهمية المساهمة المنتظرة من أقطاب الأنشطة الثلاثة للأكاديمية، المتكاملة والمترابطة، والتي ستتيح الاستجابة للاحتياجات التي عبر عنها الفاعلون في الفرنكوفونية العلمية خلال الاستشارة الدولية التي قامت بها الوكالة الجامعية للفرنكفونية 2020 والتي تم تدوينها في الكتاب الأبيض للفرنكوفونية العلمية الصادر في سنة 2021.

من جهته، قدم عميد الوكالة الجامعية للفرنكفونية، سليم خالبوس، لمحة عامة عن العملية التي وجهت إنشاء الأكاديمية ، مبرزا أهمية تعدد اللغات لتطوير العلوم، وتعدد التخصصات من أجل تفكيكها، لا سيما في مواجهة تعقد مشاكل العالم (الذكاء الاصطناعي، الأمن الغذائي، الطاقة، تغير المناخ ، إلخ)، والدبلوماسية العلمية من أجل تضامن فعال داخل الفضاء الفرنكفوني وتثمين البحث ليكون له تأثير على مستقبل الأمم. وأكد على الحاجة لإبداء براغماتية من أجل تحقيق الأهداف طويلة الأجل التي حددتها الأكاديمية الدولية للفرنكفونية العلمية في إطار أقطاب نشاطها الثلاثة، من خلال التركيز على تحديد الأولويات والتثمين والتميز لتعزيز رؤية الفرنكفونية العلمية.

بدوره، أبرز محمد الساوري، ممثل أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية، الأهمية الخاصة لهذا المشروع في النقاش الدائر حاليا حول مستقبل البحث العلمي وتطور نظم التعليم في مواجهة انفجار التقنيات الجديدة وتدويل المعرفة. وقال إن الجهد المفاهيمي والمنهجي الذي تبذله الوكالة الجامعية للفرنكفونية وتبني مفهوم الفرنكوفونية العلمية، الأوسع من مفهوم الفرنكوفونية الأكاديمية، يستحق التنويه، لافتا إلى أن إنشاء الأكاديمية الدولية للفرنكفونية العلمية مع برامج وأقطاب ومبادرات رئيسية لمساعدة الباحثين سيشكل فرصة متميزة لتطوير المعرفة بالفرنكوفونية العلمية ، وتعزيز التعددية والتنوع وإقامة شراكات جديدة.

أما ممثلة المنظمة الدولية للفرنكوفونية لشمال إفريقيا ، حواء أسيل، فقد عبرت ، نيابة عن الأمين العام للمنظمة ، عن خالص شكرها للمغرب على انخراطه من أجل تفعيل الأكاديمية الدولية للفرنكفونية العلمية ، مذكرة باختيار المملكة بالإجماع لاستضافة هذه الهيكلة خلال الدورة الثامنة عشرة للجمعية العامة للوكالة الجامعية للفرنكفونية، وذلك بفضل دعم صاحب الجلالة الملك محمد السادس. وأوضحت أن الأكاديمية تعد استجابة مؤسسية للعديد من الرهانات، وعلى رأسها تعزيز جاذبية الفرنكوفونية العلمية ، خاصة لدى الشباب والأكاديميين داخل ومن أجل الفضاء الفرنكفوني، مضيفة أنها ستساهم بالتأكيد في إثراء التنوع اللغوي والثقافي داخل الفرنكوفونية العلمية. ومن أجل الاستجابة لانتظارات مشهد متنوع من الفاعلين في الفضاء العلمي الفرنكفوني، تم انتداب فريق قيادة متميز يتكون من خبراء من خمسة بلدان فرنكفونية وذات مرجعيات ثقافية واختصاصات علمية مختلفة ومتكاملة.

يشار إلى أن الوكالة الجامعية للفرنكفونية، التي تم إنشاؤها سنة 1961 ، تعد اليوم أكبر شبكة جامعية في العالم تضم أكثر من ألف مؤسسة جامعية منخرطة من 120 بلدا. ويعبر شعارها “كاشفة عبقرية الفرنكفونية العلمية” عن سعي المنظمة في كافة أنحاء العالم إلى تطوير المنظومات التربوية والجامعية بمقاربة تعتمد “تصورا عالميا للفرنكفونية وإنجازا محليا يحترم الخصوصيات الجهوية والتنوع الثقافي”.