ينظر إلى الدولة على أنها تنظيم سياسي يكفل حماية القانون وتأمين النظام لجماعة من الناس تعيش على أرض معينة بصفة دائمة، وتجمع بين أفرادها روابط تاريخية وجغرافية وثقافية مشتركة. ولذلك لا يمكن الحديث عن الدولة في مجال ترابي معين إلا إذا كانت السلطة فيها مؤسساتية وقانونية، وأيضا مستمرة ودائمة لا تحتمل الفراغ. كما يقترن اسم الدولة بمجموع الأجهزة المكلفة بتدبير الشأن العام للمجتمع. هكذا تمارس الدولة سلطتها بالاستناد إلى مجموعة من القوانين والتشريعات السياسية التي تروم تحقيق الأمن والحرية والتعايش السلمي. وهذا ما يجعلنا نتساءل عن المشروعية التي تتأسس عليها الدولة من جهة، وعن الغاية من وجودها من جهة أخرى؟ كما تدفعنا إلى التساؤل عن طبيعة ممارسة الدولة لسلطتها السياسية؟ وعن مدى مشروعية الدولة في استخدام العنف؟ المحور الأول: مشروعية الدولة وغاياتها فيما يخص مفهوم المشروعية، ينبغي التمييز بين ما هو مشروع légitime) ) يستهدف إحلال العدل والحق، ومن ثمة فهو يشير إلى ما ينبغي أن يكون. أما ما هو شرعي (légal)فيعني ما هو عادل بالنظر إلى النصوص المتواضع عليها، ومن ثمة فهو يشير إلى ما هو واقعي وفعلي. وحينما نتحدث عن مشروعية الدولة، فإننا نشير إلى مجموع التبريرات والدعائم التي ترتكز عليها الدولة من أجل ممارسة سلطتها على مواطنيها. أما مفهوم الغاية فيدل على "ما لأجله إقدام الفاعل على فعله، وهي ثابتة لكل فاعل فعل بالقصد والاختيار، فلا توجد الغاية في الأفعال غير الاختيارية". هكذا فكل دولة تستند إلى مشروعية ما، وانطلاقا من هذه المشروعية يتم اختيار غايات من وجودها؛ إذ يصعب الفصل هنا بين المشروعية والغايات فيما يخص مسألة الدولة. فما الغاية من وجود الدولة إذن؟ ومن يختار لها هذه الغاية؟ ووفق أية اسس ومنطلقات؟ ومن أين تستمد مشروعيتها؟ 1- موقف اسبينوزا: الحرية هي الغاية الأساسية من قيام الدولة. لقد قطع فلاسفة التعاقد الاجتماعي مع التصور الديني للدولة، ولذلك فمشروعية الدولة عندهم تستمد من الالتزام بمبادئ التعاقد المبرم بين الأفراد ككائنات عاقلة وحرة. هذا التعاقد الحر بين الأفراد سيؤسس الدولة على قوانين العقل، التي من شأنها أن تتجاوز مساوئ حالة الطبيعة القائمة على قوانين الشهوة، والتي أدت إلى الصراع والفوضى والكراهية والخداع. ولذلك فغاية الدولة هي تحقيق المصلحة العامة المتمثلة حسب اسبينوزا في تحرير الأفراد من الخوف وضمان حقوقهم الطبيعية المشروعة، والمتمثلة أساسا في الحق في الحياة و الأمن والحرية. هكذا يرى اسبينوزا أن الغاية من تأسيس الدولة هي تحرير الأفراد من الخوف، وإتاحة الفرصة لعقولهم لكي تفكر بحرية وتؤدي وظائفها بالشكل المطلوب دون استخدام لدوافع الشهوة من حقد وغضب وخداع. ويختصر اسبينوزا الغاية من وجود الدولة بقوله: "الحرية هي الغاية الحقيقية من قيام الدولة".2- موقف هيجل: الدولة غاية ذاتها، وهي تجسيد للعقل الموضوعي. لقد انتقد هيجل التصور التعاقدي الذي يعتبر أن للدولة غاية خارجية مثل السلم أو الحرية أو الملكية، ورأى أن غاية الدولة لا تكمن في أية غاية خارجية، وإنما تتمثل في غاية باطنية؛ فالدولة غاية في ذاتها من حيث إنها تمثل روح وإرادة ووعي أمة من الأمم، وتعتبر تجسيدا للعقل الأخلاقي الموضوعي. إن الدولة هي التحقق الفعلي للروح الأخلاقي باعتباره إرادة جوهرية وكونية. ومن واجب الأفراد أن يكونوا أعضاء في الدولة وأن يتعلقوا بها لأن في ذلك سموهم وعلو مرتبتهم؛ فلا يكون للفرد وجود حقيقي وأخلاقي إلا بانتسابه إلى الدولة. هكذا يعطي هيجل الأولوية في تحليله إلى الكل على الأجزاء، وإلى الدولة على الأفراد، ويجعل مصيرهم في أن يحيوا حياة عامة وكونية. فمشروعية الدولة إذن لا تستمد عند هيجل من التحالفات القائمة بين الأفراد، بل تستمد من مبادئ عقلية وموضوعية تتأسس عليها الدولة بشكل حتمي يتجاوز الإرادات الفردية ذاتها. 3- موقف ماكس فيبر: هناك ثلاث مشروعيات تستند عليهم الدولة. وقد بين فيما بعد ماكس فيبر بأن هناك أنواع متعددة من المشروعية عبر التاريخ؛ مشروعية الحكم اعتمادا على التراث وحماية الماضي واستلهام الأجداد، والمشروعية المرتبطة بشخص ملهم يمثل سلطة دينية وأخلاقية أو إيديولوجية ويحكم باسمها. والمشروعية المؤسسية المستمدة من التمثيلية الانتخابية ومرجعية القانون والمؤسسات وتوزيع السلط. ويشير ماكس فيبر إلى أنه نادرا ما نجد هذه النماذج من المشروعية مجسدة بشكل خالص على أرض الواقع، بل غالبا ما نجد تداخلات فيما بينها على مستوى ممارسة الدولة لسلطتها على الأفراد. فكيف تمارس الدولة سلطتها السياسية؟ المحور الثاني: طبيعة السلطة السياسية حينما يتم التساؤل عن طبيعة السلطة السياسية‘ فإن الأمر يتطلب بالضرورة الحديث عن علاقة الدولة بالمواطنين، أو علاقة الحاكم بالمحكومين. فإذن ما هي طبيعة العلاقة التي ينبغي أن تكون بين رجل السياسة من جهة، ومن يمارس عليهم سلطته السياسية من جهة أخرى؟ وبتعبير آخر؛ ما هي الخصائص التي يجب أن تميز الممارسة السياسية للأمير أو السلطان مع شعبه أو رعيته؟ هنا يمكن تقديم موقفين متعارضين؛ موقف ماكيافيلي وموقف ابن خلدون. 1- موقف ماكيافيلي: السياسة صراع وقوة وخداع. بين ماكيافيلي أن هناك أمراء في عصره أصبحوا عظماء دون أن يلتزموا بالمبادئ الأخلاقية السامية، كالمحافظة على العهود مثلا، بل قد استخدموا كل وسائل القوة والخداع للسيطرة على الناس والتغلب على خصومهم. هكذا دعا ماكيافيلي إلى ضرورة استخدام الأمير لطريقتين من أجل تثبيت سلطته السياسية؛ الأولى تعتمد القوانين، بحيث يستعملها بحكمة ومكر ودهاء، وبشكل يمكن من تحقيق مصلحة الدولة، أما الثانية فتعتمد على القوة والبطش، ولكن في الوقت المناسب. من هنا يجب على الأمير أن يكون أسدا قويا لكي يرهب الذئاب، وأن يكون ثعلبا ماكرا لكي لا يقع في الفخاخ. إن الغاية عند ماكيافيلي تبرر الوسيلة. وما دام أن الناس ليسوا أخيارا في الواقع، فلا يلزم أن ينضبط الأمير للمبادىء الأخلاقية في تعامله معهم، بل لا بد أن تكون له القدرة الكافية على التمويه والخداع، وسيجد من الناس من ينخدع بسهولة. هكذا يتبين أن السياسة، مع ماكيافيلي، تنبني على القوة والمكر والخداع. وهذا ما سيرفضه مجموعة من المفكرين، ومن بينهم ابن خلدون. 2- موقف ابن خلدون: السياسة رفق واعتدال. إن علاقة السلطان بالرعية حسب ابن خلدون هي علاقة ملك بمملوكين. ولذلك يجب أن يتأسس هذا الملك على الجودة والصلاح. من هنا يجب أن يحقق السلطان لرعيته كل ما هو صالح لهم، وأن يتجنب كل ما من شأنه أن يلحق بهم السوء والضرر. ولذلك وجب أن تكون العلاقة بين السلطان والرعية مبنية على الرفق والاعتدال في التعامل. فقهر السلطان للناس وبطشه بهم يؤدي إلى إفساد أخلاقهم، بحيث يعاملونه بالكذب والمكر والخذلان، أما إذا كان رفيقا بهم ، فإنهم يطمئنون إليه ويكنون له كل المحبة والاحترام، ويكونون عونا له أوقات الحروب والمحن. انطلاقا من هذا حدد ابن خلدون خصلتين رئيسيتين يجب أن يتصف بهما رجل السياسة، وهما الرفق والاعتدال. ولذلك عليه مثلا أن يتصف بالكرم والشجاعة كصفتين يتوفر فيهما الاعتدال المطلوب بين التبذير والبخل من جهة، وبين التهور والجبن من جهة أخرى. ← هكذا إذا كان ماكيافيلي يحدد طبيعة السلطة السياسية في القوة والمكر والصراع، واستخدام كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لتحقيق مصلحة الدولة، فإن ابن خلدون يحدد طبيعتها في التشبث بمكارم الأخلاق المتمثلة أساسا في الرفق والاعتدال. وهذا ما سيقود إلى إثارة إشكالية الدولة بين الحق والعنف. المحورالثالث: الدولة بين الحق والعنف. حينما نتحدث عن الدولة بين الحق والعنف، فإننا نثير بالضرورة إشكالية العلاقة بين الدولة كأجهزة ومؤسسات منظمة للمجتمع، وبين الأفراد الخاضعين لقوانينها. فإذا انبنت هذه العلاقة على احترام المبادئ الأخلاقية المتعارف عليها والقوانين المتعاقد عليها، فإن ممارسة الدولة تكون في هذه الحالة ممارسة مشروعة تجعلنا نتحدث عن دولة الحق، أما إذا كانت هذه العلاقة مبنية على أسس غير أخلاقية وغير قانونية، فإنها ستكون مؤسسة على القوة والعنف وهاضمة للحقوق والحريات الفردية والجماعية. فما المقصود بمفهومي الحق والعنف؟ يحدد المعجم الفلسفي لأندري لالاند الحق باعتباره "ما لا يحيد عن قاعدة أخلاقية، وما هو مشروع وقانوني في مقابل ما هو واقعي وفعلي". كما يحدده كانط باعتباره يحيل إلى "مجموع الشروط التي تسمح لحرية كل فرد بأن تنسجم مع حرية الآخرين". أما العنف فيمكن القول بأنه "اللجوء إلى القوة من أجل إخضاع أحد من الناس ضد إرادته، وهو ممارسة القوة ضد القانون أو الحق". (المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفة،د.عبد المنعم الحفني، مكتبة مدبولي، الطبعة الثالثة،2000) هكذا يتبين أن الحق هو نقيض العنف؛ إذ أن الأول يمارس بإرادة الأفراد ويضمن لهم حرياتهم المشروعة، في حين أن الثاني يمارس ضد إرادتهم ويغتصبهم حرياتهم. فإذا كان الأمر كذلك، فهل يمكن البحث عن مشروعية لممارسة الدولة العنف ضد الأفراد أوالجماعات؟ وهل العنف ضروري للدولة لكي تمارس سلطتها؟ ألا يتعارض العنف في هذه الحالة مع الحق والقانون؟ لمعالجة هذا الإشكال يمكن تقديم موقفين يبدوان متعارضين؛ أحدهما لماكس فيبر والثاني لجاكلين روس.

1- موقف ماكس فيبر: الدولة وحدها لها الحق في ممارسة العنف المادي. إن الدولة تتأسس في نظر ماكس فيبر على العنف. ولذلك يرى أنه إذا وجدت تجمعات بشرية لا تعرف العنف، فمعنى ذلك أنه لا يمكن الحديث عن وجود الدولة، كجهاز يحكم هذه التجمعات السياسية. فما سيبقى في حالة اختفاء العنف هو الفوضى بين مختلف مكونات البناء الاجتماعي، نظرا لاختفاء القوة العنيفة القادرة على إزالة هذه الفوضى. إن العنف إذن هو الوسيلة المميزة للدولة، والعلاقة بينهما هي علاقة وطيدة وحميمية. وللدولة وحدها الحق في ممارسة العنف المادي، إذ لا يحق لأي فرد أو جماعة ممارسة هذا العنف إلا بتفويض من الدولة. لكن ألا تتعارض ممارسة العنف مع المواصفات التي يجب أن تتوفر في دولة الحق؟ 2- موقف جاكلين روس: تتمسك دولة الحق بكرامة الفرد ضد كل أنواع العنف والتخويف. اعتبرت جاكلين روس أن دولة الحق هي ممارسة معقلنة لسلطة الدولة، يخضع فيها الحق والقانون إلى مبدإ احترام الشخص البشري وضمان كرامته الإنسانية. هكذا فالفرد في دولة الحق هو قيمة عليا ومعيار أسمى لصياغة القوانين والتشريعات التي تمنع كل أنواع الاستعباد والاضطهاد التي قد يتعرض لها. وما يمكن ملاحظته هنا هو أن الغاية هنا هي الفرد وليس الدولة؛ فهذه الأخيرة هي مجرد وسيلة لخدمة الفرد، إذ تعتبره الغاية الأساسية من كل تشريع. ولن يتم ذلك إلا من خلال مبدأ فصل السلط الذي يمكن من إحقاق الحق وإخضاعه للممارسة المعقلنة القائمة على الاحترام وتطبيق القانون، ونبذ كل أشكال الإرهاب والعنف. الحق والعدالة

يدل لفظ العدالة في تداوله العام على احترام حقوق الغير والدفاع عنها، كما يدل على الخضوع والامتثال للقوانين. وتدل العدالة في معجم لالاند على صفة لما هو عادل، ويستعمل هذا اللفظ في سياق خاص عند الحديث عن الإنصاف Equité) ) أو الشرعية légalité) ). كما يدل لفظ العدالة تارة على الفضيلة الأخلاقية، وتارة على فعل أو قرار مطابق للتشريعات القضائية. كما يدل اللفظ فلسفيا على ملكة في النفس تمنع الإنسان عن الرذائل، ويقال بأنها التوسط بين الإفراط والتفريط. هكذا يمكن الحديث عن مستويين في العدالة: - مستوى يرتبط بالمؤسسات القانونية والقضائية التي تنظم العلاقات بين الناس في الواقع. - ومستوى يرتبط بالعدالة كدلالة أخلاقية، وكمثال أخلاقي كوني يتطلع الجميع لاستلهامه. أما فيما يخص مفهوم الحق، فيمكن القول بأن له دلالتين رئيسيتين: - دلالة في المجال النظري والمنطقي؛ حيث يعني اليقين والصدق والاستدلال السليم. - ودلالة في المجال العملي؛ باعتباره قيمة تؤسس للحياة الاجتماعية والممارسة العملية للإنسان. وهذه الدلالة الثانية هي التي تجعله يتقاطع مع مفهوم العدالة. ويتخذ مفهوما الحق والعدالة أبعادا متعددة؛ طبيعية وأخلاقية وقانونية وسياسية، كما يرتبطا بمجموعة من المفاهيم الأخرى؛ كالطبيعة والثقافة والإنصاف والمساواة. وهو الأمر الذي سيؤدي إلى إثارة مجموعة من الإشكالات سنعالجها من خلال محاور الدرس. المحور الأول: الحق بين الطبيعي والوضعي. *إشكال المحور: هل يتأسس الحق على ما هو طبيعي أم على ما هو وضعي؟ 1- فلاسفة الحق الطبيعي: حالة الطبيعة كمرجعية لتأسيس الحق. حينما نتحدث عن الحق الطبيعي، فإننا نتحدث عن مجموع الحقوق التي يجب أن يتمتع بها الإنسان بحكم طبيعته كإنسان. وقد كان رجوع فلاسفة الحق الطبيعي، كهوبز واسبينوزا وروسو، إلى حالة الطبيعة بهدف معرفة الطبيعة الإنسانية وتأسيس المجتمع انطلاقا منها، حتى تكون الحقوق والتشريعات عادلة ومناسبة لأصل الطبيعة الإنسانية، وغير متعارضة معها. وصحيح أن هؤلاء الفلاسفة اختلفوا في تصورهم لحالة الطبيعة ولأصل الإنسان، إلا أنهم يشتركون في مبدإ أساسي هو جعل الطبيعة المفترضة للإنسان أساسا لكل حقوقه في الحالة المدنية أو الاجتماع. من هنا فللإنسان حسب هذا التصور الطبيعي للحق، حقوق لا يمكن المساس بها، وهي حقوق مطلقة وكونية. وإذا أخذنا نموذج هوبز مثلا، فإننا نجده يعرف حق الطبيعة بأنه الحرية التي تخول لكل إنسان في أن يسلك وفقا لما تمليه عليه طبيعته الخاصة وما يراه نافعا له. أما حالة الطبيعة فهي عنده حالة حرب الكل ضد الكل، إنها حالة صراع وعنف وفوضى. كما تصور هوبز بأن الطبيعة الإنسانية شريرة، وأن الإنسان ذئب للإنسان. وانطلاقا من هذا التصور ارتأى هوبز ضرورة تأسيس الحق في حالة الاجتماع على القوة، قوة الأمير الذي سيفرض نفسه على الجميع ويتنازل له الأفراد عن حرياتهم الطبيعية. هكذا يتأسس الحق عند هوبز على القوة وعلى ما هو طبيعي؛ لأن أساس الحق عنده نابع من تصوره لطبيعة الإنسان. أما إذا أخذنا نموذج روسو، فإننا نجده يختلف مع هوبز في تصوره لحالة الطبيعة ولطبيعة الإنسان؛ إذ يرى أنها حالة أمن وسلام، وأن الإنسان خير بطبعه. لكنه مع ذلك يلتقي معه في رجوعه إلى حالة الطبيعة من أجل البحث عن مرجعية ومرتكز لتأسيس الحق. هكذا فمبادئ التعاقد الاجتماعي عند روسو تجد ينابيعها الأولى في الحقوق الطبيعية للإنسان. من هنا فالحق يجد أساسه عند روسو فيما هو طبيعي، أي في مجموع المواصفات التي كانت تميز حياة الإنسان في الحالة الطبيعية الأولى. وبخلاف هذا التصور الذي يؤسس الحق على تصور معين للطبيعة الإنسانية، يأتي التصور الوضعي الذي يؤسسه على مرتكزات ثقافية ووضعية. 2- الموقف الوضعي: تأسيس الحق على الأوضاع السائدة داخل كل مجتمع. ترفض النزعة الوضعية القانونية تأسيس الحق على أية اعتبارات ميتافيزيقية وطبيعية، وتؤسسه‘ بخلاف ذلك‘ على اعتبارات واقعية وثقافية. هكذا يرى هانز كيلسن، أحد ممثلي هذه النزعة، أنه لا وجود لحق غير الحق الوضعي الفعلي الذي يتحدد انطلاقا من اعتبارات واقعية، ومن موازين القوى المتصارعة على أرض الواقع. وهذا ما يضفي على الحق طابع النسبية والتغير، ويجعل من غي الممكن الحديث عنه خارج إطار القوانين المتجسدة في المؤسسات القضائية والتنفيذية التي تفرضه في الواقع. وفضلا عن هذا، يرى كيلسن أن هناك اختلاف في المرجعيات السيكولوجية والاجتماعية والثقافية بين الناس، مما ينعكس على تصورهم لأساس الحق، ويجعل هذا الأخير يختلف باختلاف المبادئ التي يرتكز عليها. وإذا كان الحق لا يتجسد إلا من خلال القوانين التي من المفترض أنها وضعت بهدف تحقيق العدالة والإنصاف والمساواة بين الأفراد، فإن هذا يثير إشكال العلاقة بين الحق والعدالة. المحور الثاني: العدالة كأساس للحق. *إشكال المحور: كيف تتحدد علاقة الحق بالعدالة؟ وهل يمكن اعتبار العدالة أساسا للحق؟ وهل هناك وجود للحق خارج إطار القوانين التشريعية والقضائية الممثلة للعدالة؟ 1- موقف اسبينوزا: قوانين العدالة كتجسيد للحق. اعتبر اسبينوزا أن هناك مبدأ تقوم عليه الدولة الديمقراطية، وهو تحقيق الأمن والسلام للأفراد عن طريق وضع قوانين عقلية تمكن من تجاوز قوانين الشهوة التي هي المصدر الأساسي لكل كراهية وفوضى. من هنا يتحدث اسبينوزا عن القانون المدني الذي تحدده السلطة العليا، والذي يجب على الأفراد احترامه للمحافظة على حرياتهم ومصالحهم المشتركة. وهذا القانون هو الذي تتجسد من خلاله العدالة التي تتمثل في إعطاء كل ذي حق حقه. ولهذا يدعو اسبينوزا القضاة المكلفين بتطبيق القانون إلى معاملة الناس بالمساواة والإنصاف، من أجل ضمان حقوق الجميع، وعدم التمييز بينهم على أي أساس طبقي أو عرقي أو غيره. هكذا يبدو أنه لا يمكن تصور عدالة خارج إطار مبادئ العقل المجسدة في القانون المدني الذي تتكفل الدولة بتطبيقه، كما لا يمكن تصور تمتع للناس بحقوقهم خارج قوانين العدالة. فالعدالة والحالة هاته، هي تجسيد للحق وتحقيق له؛ إذ لا يوجد حق خارج عدالة قوانين الدولة. أما خارج هذه القوانين التي يضعها العقل، فإننا نكون بإزاء العودة إلى عدالة الطبيعة التي استحال فيها تمتع الجميع بحقوقهم المشروعة في الحرية والأمن والاستقرار. لكن ألا يمكن أن نعتبر أن الحق يسمو على قوانين العدالة وتشريعاتها القضائية، وأن هذه الأخيرة قد تكون جائرة وهاضمة للحقوق المشروعة للأفراد؟ معنى ذلك أنه يجب البحث عن أساس آخر للحق غير العدالة وقوانينها؟ 2- موقف شيشرون: لا يتجسد الحق دائما من خلال قوانين الشعوب. يرى شيشرون أن المؤسسات والقوانين لا يمكن أن تكون أساسا للحق، مادام أن هناك قوانينا يضعها الطغاة لخدمة مصالحهم الخاصة وتهضم حقوق بقية الناس. ولذلك يجب تأسيس الحق والعدالة تأسيسا عقليا؛ إذ أن الحق الوحيد هو الذي يؤسسه قانون واحد مبني على قواعد العقل السليم الذي يشرع ما يجب فعله وما يجب اجتنابه. ومن جهة أخرى يذهب شيشرون إلى القول بأنه "لن توجد عدالة ما لم توجد طبيعة صانعة للعدالة"، وهذه هي الطبيعة الخيرة التي تتمثل في ميلنا إلى حب الناس الذي هو أساس الحق. و " طالما لم يقم الحق على الطبيعة فإن جميع الفضائل ستتلاشى". هكذا يبدو أن شيشرون يؤسس الحق تأسيسا عقليا وأخلاقيا، ويعترض على تأسيسه انطلاقا من المنافع الخاصة وما هو حاصل على أرض الواقع. لكن المشكل الذي تطرحه نظرية شيشرون هو طابعها المثالي؛ إذ أن الناس في الواقع لا تصدر عنهم دائما سلوكات خيرة إما بسبب نزوعاتهم العدوانية كما يرى البعض، أو بسبب الصراع حول المصالح كما يرى البعض الآخر. وإذا كان الناس متفاوتين في الواقع بسبب الاختلافات الموجودة بينهم في المؤهلات والمزايا والمراتب الاجتماعية وغير ذلك، فهل يجب أن نطبق عليهم القوانين بالتساوي أم يجب مراعاة روح هذه القوانين لإنصاف كل واحد منهم؟ المحور الثالث: العدالة بين المساواة والإنصاف. *إشكال المحور: هل ينبغي تطبيق العدالة بين الناس بالتساوي، بحيث يكون الجميع أمامها سواسية، أم يجب إنصاف كل واحد منهم بحسب تميزه عن الآخرين؟ وبتعبير آخر؛ إذا كانت العدالة تهدف إلى خلق المساواة في المجتمع، فهل بإمكانها إنصاف جميع أفراده؟ 1- موقف ألان (إميل شارتيي): العدالة هي معاملة الناس بالمساواة. لا يمكن الحديث‘ حسب ألان، عن الحق إلا في إطار المساواة بين الناس. فالقوانين العادلة هي التي يكون الجميع أمامها سواسية. والحق لا يتجسد إلا داخل المساواة باعتبارها ذلك الفعل العادل الذي يعامل الناس بالتساوي بغض النظر عن التفاوتات القائمة بينهم. وهنا يتحدث ألان عن السعر العادل ويميزه عن سعر الفرصة؛ بحيث أن الأول هو المعلن داخل السوق والذي يخضع له الجميع بالتساوي، بينما الثاني هو سعر يغيب فيه التكافؤ بين الطرفين؛ كأن يكون أحدهما مخمورا والآخر واعيا، أو يكون أحدهما عالما بقيمة المنتوج والآخر جاهلا بذلك. هكذا فالمساواة لن تتحقق حسب ألان إلا إذا عرض الباعة لكل الناس نفس السلع وبثمن موحد. ومعنى ذلك أن العدالة لن تتحقق إلا كانت القوانين الجاري بها العمل تعامل الناس بالمساواة التي هي أساس إحقاق الحق. وفي هذا الإطار يقول ألان: " لقد ابتكر الحق ضد اللامساواة. والقوانين العادلة هي التي يكون الجميع أمامها سواسية... أما أولائك الذين يقولون إن اللامساواة هي من طبيعة الأشياء، فهم يقولون قولا بئيسا". ومثل هذا القول "البئيس" هو الذي نعتقد أنه يقول به ماكس شيلر. 2- موقف ماكس شيلر: المطالبة بالمساواة المطلقة هي عدالة جائرة. يذهب ماكس شيلر إلى القول بأن العدالة لا تتمثل في المطالبة بالمساواة المطلقة بين الناس؛ لأنها مساواة جائرة ما دامت لا تراعي الفروق بين الأفراد فيما يخص الطبائع والمؤهلات التي يتوفرون عليها. فالعدالة المنصفة هي التي تراعي اختلاف الناس وتمايز طبائعهم ومؤهلاتهم. ومن الظلم أن نطالب بالمساواة المطلقة بين جميع الناس؛ ذلك أن وراء هذه المطالبة بالمساواة كراهية وحقد على القيم السامية، ورغبة دفينة في خفض مستوى الأشخاص المتميزين إلى مستوى الأشخاص الذين هم في أسفل السلم. هكذا ينتقد ماكس شيلر ما يسميه بالأخلاقية الحديثة التي تقول بأن جميع الناس متساوون أخلاقيا، وبالتالي تنفي التفاوتات الموجودة بينهم على مستوى ما يتوفرون عليه من مؤهلات. ويرى أن هذه المساواة المطلقة هي فكرة عقلانية نابعة من حقد وكراهية الضعفاء ومن هم في أسفل درجات السلم تجاه الأقوياء الذين يمتلكون مؤهلات وقدرات أكثر من غيرهم تجعلهم يتواجدون في أعلى السلم الاجتماعي. وبدلا من هذه الأخلاق العقلانية التي تنادي بالمساواة الصورية والنظرية، يقترح شيلر ما أسماه بالأخلاق الموضوعية التي تأخذ بعين الاعتبار الفوارق بين الناس على أرض الواقع. وهنا تكمن العدالة المنصفة التي تحافظ على القيم السامية التي يتمتع بها الأشخاص المتفوقون

ينظر إلى الدولة على أنها تنظيم سياسي يكفل حماية القانون وتأمين النظام لجماعة من الناس تعيش على أرض معينة بصفة دائمة، وتجمع بين أفرادها روابط تاريخية وجغرافية وثقافية مشتركة. ولذلك لا يمكن الحديث عن الدولة في مجال ترابي معين إلا إذا كانت السلطة فيها مؤسساتية وقانونية، وأيضا مستمرة ودائمة لا تحتمل الفراغ. كما يقترن اسم الدولة بمجموع الأجهزة المكلفة بتدبير الشأن العام للمجتمع. هكذا تمارس الدولة سلطتها بالاستناد إلى مجموعة من القوانين والتشريعات السياسية التي تروم تحقيق الأمن والحرية والتعايش السلمي. وهذا ما يجعلنا نتساءل عن المشروعية التي تتأسس عليها الدولة من جهة، وعن الغاية من وجودها من جهة أخرى؟ كما تدفعنا إلى التساؤل عن طبيعة ممارسة الدولة لسلطتها السياسية؟ وعن مدى مشروعية الدولة في استخدام العنف؟ المحور الأول: مشروعية الدولة وغاياتها فيما يخص مفهوم المشروعية، ينبغي التمييز بين ما هو مشروع légitime) ) يستهدف إحلال العدل والحق، ومن ثمة فهو يشير إلى ما ينبغي أن يكون. أما ما هو شرعي (légal)فيعني ما هو عادل بالنظر إلى النصوص المتواضع عليها، ومن ثمة فهو يشير إلى ما هو واقعي وفعلي. وحينما نتحدث عن مشروعية الدولة، فإننا نشير إلى مجموع التبريرات والدعائم التي ترتكز عليها الدولة من أجل ممارسة سلطتها على مواطنيها. أما مفهوم الغاية فيدل على "ما لأجله إقدام الفاعل على فعله، وهي ثابتة لكل فاعل فعل بالقصد والاختيار، فلا توجد الغاية في الأفعال غير الاختيارية". هكذا فكل دولة تستند إلى مشروعية ما، وانطلاقا من هذه المشروعية يتم اختيار غايات من وجودها؛ إذ يصعب الفصل هنا بين المشروعية والغايات فيما يخص مسألة الدولة. فما الغاية من وجود الدولة إذن؟ ومن يختار لها هذه الغاية؟ ووفق أية اسس ومنطلقات؟ ومن أين تستمد مشروعيتها؟ 1- موقف اسبينوزا: الحرية هي الغاية الأساسية من قيام الدولة. لقد قطع فلاسفة التعاقد الاجتماعي مع التصور الديني للدولة، ولذلك فمشروعية الدولة عندهم تستمد من الالتزام بمبادئ التعاقد المبرم بين الأفراد ككائنات عاقلة وحرة. هذا التعاقد الحر بين الأفراد سيؤسس الدولة على قوانين العقل، التي من شأنها أن تتجاوز مساوئ حالة الطبيعة القائمة على قوانين الشهوة، والتي أدت إلى الصراع والفوضى والكراهية والخداع. ولذلك فغاية الدولة هي تحقيق المصلحة العامة المتمثلة حسب اسبينوزا في تحرير الأفراد من الخوف وضمان حقوقهم الطبيعية المشروعة، والمتمثلة أساسا في الحق في الحياة و الأمن والحرية. هكذا يرى اسبينوزا أن الغاية من تأسيس الدولة هي تحرير الأفراد من الخوف، وإتاحة الفرصة لعقولهم لكي تفكر بحرية وتؤدي وظائفها بالشكل المطلوب دون استخدام لدوافع الشهوة من حقد وغضب وخداع. ويختصر اسبينوزا الغاية من وجود الدولة بقوله: "الحرية هي الغاية الحقيقية من قيام الدولة".2- موقف هيجل: الدولة غاية ذاتها، وهي تجسيد للعقل الموضوعي. لقد انتقد هيجل التصور التعاقدي الذي يعتبر أن للدولة غاية خارجية مثل السلم أو الحرية أو الملكية، ورأى أن غاية الدولة لا تكمن في أية غاية خارجية، وإنما تتمثل في غاية باطنية؛ فالدولة غاية في ذاتها من حيث إنها تمثل روح وإرادة ووعي أمة من الأمم، وتعتبر تجسيدا للعقل الأخلاقي الموضوعي. إن الدولة هي التحقق الفعلي للروح الأخلاقي باعتباره إرادة جوهرية وكونية. ومن واجب الأفراد أن يكونوا أعضاء في الدولة وأن يتعلقوا بها لأن في ذلك سموهم وعلو مرتبتهم؛ فلا يكون للفرد وجود حقيقي وأخلاقي إلا بانتسابه إلى الدولة. هكذا يعطي هيجل الأولوية في تحليله إلى الكل على الأجزاء، وإلى الدولة على الأفراد، ويجعل مصيرهم في أن يحيوا حياة عامة وكونية. فمشروعية الدولة إذن لا تستمد عند هيجل من التحالفات القائمة بين الأفراد، بل تستمد من مبادئ عقلية وموضوعية تتأسس عليها الدولة بشكل حتمي يتجاوز الإرادات الفردية ذاتها. 3- موقف ماكس فيبر: هناك ثلاث مشروعيات تستند عليهم الدولة. وقد بين فيما بعد ماكس فيبر بأن هناك أنواع متعددة من المشروعية عبر التاريخ؛ مشروعية الحكم اعتمادا على التراث وحماية الماضي واستلهام الأجداد، والمشروعية المرتبطة بشخص ملهم يمثل سلطة دينية وأخلاقية أو إيديولوجية ويحكم باسمها. والمشروعية المؤسسية المستمدة من التمثيلية الانتخابية ومرجعية القانون والمؤسسات وتوزيع السلط. ويشير ماكس فيبر إلى أنه نادرا ما نجد هذه النماذج من المشروعية مجسدة بشكل خالص على أرض الواقع، بل غالبا ما نجد تداخلات فيما بينها على مستوى ممارسة الدولة لسلطتها على الأفراد. فكيف تمارس الدولة سلطتها السياسية؟ المحور الثاني: طبيعة السلطة السياسية حينما يتم التساؤل عن طبيعة السلطة السياسية‘ فإن الأمر يتطلب بالضرورة الحديث عن علاقة الدولة بالمواطنين، أو علاقة الحاكم بالمحكومين. فإذن ما هي طبيعة العلاقة التي ينبغي أن تكون بين رجل السياسة من جهة، ومن يمارس عليهم سلطته السياسية من جهة أخرى؟ وبتعبير آخر؛ ما هي الخصائص التي يجب أن تميز الممارسة السياسية للأمير أو السلطان مع شعبه أو رعيته؟ هنا يمكن تقديم موقفين متعارضين؛ موقف ماكيافيلي وموقف ابن خلدون. 1- موقف ماكيافيلي: السياسة صراع وقوة وخداع. بين ماكيافيلي أن هناك أمراء في عصره أصبحوا عظماء دون أن يلتزموا بالمبادئ الأخلاقية السامية، كالمحافظة على العهود مثلا، بل قد استخدموا كل وسائل القوة والخداع للسيطرة على الناس والتغلب على خصومهم. هكذا دعا ماكيافيلي إلى ضرورة استخدام الأمير لطريقتين من أجل تثبيت سلطته السياسية؛ الأولى تعتمد القوانين، بحيث يستعملها بحكمة ومكر ودهاء، وبشكل يمكن من تحقيق مصلحة الدولة، أما الثانية فتعتمد على القوة والبطش، ولكن في الوقت المناسب. من هنا يجب على الأمير أن يكون أسدا قويا لكي يرهب الذئاب، وأن يكون ثعلبا ماكرا لكي لا يقع في الفخاخ. إن الغاية عند ماكيافيلي تبرر الوسيلة. وما دام أن الناس ليسوا أخيارا في الواقع، فلا يلزم أن ينضبط الأمير للمبادىء الأخلاقية في تعامله معهم، بل لا بد أن تكون له القدرة الكافية على التمويه والخداع، وسيجد من الناس من ينخدع بسهولة. هكذا يتبين أن السياسة، مع ماكيافيلي، تنبني على القوة والمكر والخداع. وهذا ما سيرفضه مجموعة من المفكرين، ومن بينهم ابن خلدون. 2- موقف ابن خلدون: السياسة رفق واعتدال. إن علاقة السلطان بالرعية حسب ابن خلدون هي علاقة ملك بمملوكين. ولذلك يجب أن يتأسس هذا الملك على الجودة والصلاح. من هنا يجب أن يحقق السلطان لرعيته كل ما هو صالح لهم، وأن يتجنب كل ما من شأنه أن يلحق بهم السوء والضرر. ولذلك وجب أن تكون العلاقة بين السلطان والرعية مبنية على الرفق والاعتدال في التعامل. فقهر السلطان للناس وبطشه بهم يؤدي إلى إفساد أخلاقهم، بحيث يعاملونه بالكذب والمكر والخذلان، أما إذا كان رفيقا بهم ، فإنهم يطمئنون إليه ويكنون له كل المحبة والاحترام، ويكونون عونا له أوقات الحروب والمحن. انطلاقا من هذا حدد ابن خلدون خصلتين رئيسيتين يجب أن يتصف بهما رجل السياسة، وهما الرفق والاعتدال. ولذلك عليه مثلا أن يتصف بالكرم والشجاعة كصفتين يتوفر فيهما الاعتدال المطلوب بين التبذير والبخل من جهة، وبين التهور والجبن من جهة أخرى. ← هكذا إذا كان ماكيافيلي يحدد طبيعة السلطة السياسية في القوة والمكر والصراع، واستخدام كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لتحقيق مصلحة الدولة، فإن ابن خلدون يحدد طبيعتها في التشبث بمكارم الأخلاق المتمثلة أساسا في الرفق والاعتدال. وهذا ما سيقود إلى إثارة إشكالية الدولة بين الحق والعنف. المحورالثالث: الدولة بين الحق والعنف. حينما نتحدث عن الدولة بين الحق والعنف، فإننا نثير بالضرورة إشكالية العلاقة بين الدولة كأجهزة ومؤسسات منظمة للمجتمع، وبين الأفراد الخاضعين لقوانينها. فإذا انبنت هذه العلاقة على احترام المبادئ الأخلاقية المتعارف عليها والقوانين المتعاقد عليها، فإن ممارسة الدولة تكون في هذه الحالة ممارسة مشروعة تجعلنا نتحدث عن دولة الحق، أما إذا كانت هذه العلاقة مبنية على أسس غير أخلاقية وغير قانونية، فإنها ستكون مؤسسة على القوة والعنف وهاضمة للحقوق والحريات الفردية والجماعية. فما المقصود بمفهومي الحق والعنف؟ يحدد المعجم الفلسفي لأندري لالاند الحق باعتباره "ما لا يحيد عن قاعدة أخلاقية، وما هو مشروع وقانوني في مقابل ما هو واقعي وفعلي". كما يحدده كانط باعتباره يحيل إلى "مجموع الشروط التي تسمح لحرية كل فرد بأن تنسجم مع حرية الآخرين". أما العنف فيمكن القول بأنه "اللجوء إلى القوة من أجل إخضاع أحد من الناس ضد إرادته، وهو ممارسة القوة ضد القانون أو الحق". (المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفة،د.عبد المنعم الحفني، مكتبة مدبولي، الطبعة الثالثة،2000) هكذا يتبين أن الحق هو نقيض العنف؛ إذ أن الأول يمارس بإرادة الأفراد ويضمن لهم حرياتهم المشروعة، في حين أن الثاني يمارس ضد إرادتهم ويغتصبهم حرياتهم. فإذا كان الأمر كذلك، فهل يمكن البحث عن مشروعية لممارسة الدولة العنف ضد الأفراد أوالجماعات؟ وهل العنف ضروري للدولة لكي تمارس سلطتها؟ ألا يتعارض العنف في هذه الحالة مع الحق والقانون؟ لمعالجة هذا الإشكال يمكن تقديم موقفين يبدوان متعارضين؛ أحدهما لماكس فيبر والثاني لجاكلين روس.

1- موقف ماكس فيبر: الدولة وحدها لها الحق في ممارسة العنف المادي. إن الدولة تتأسس في نظر ماكس فيبر على العنف. ولذلك يرى أنه إذا وجدت تجمعات بشرية لا تعرف العنف، فمعنى ذلك أنه لا يمكن الحديث عن وجود الدولة، كجهاز يحكم هذه التجمعات السياسية. فما سيبقى في حالة اختفاء العنف هو الفوضى بين مختلف مكونات البناء الاجتماعي، نظرا لاختفاء القوة العنيفة القادرة على إزالة هذه الفوضى. إن العنف إذن هو الوسيلة المميزة للدولة، والعلاقة بينهما هي علاقة وطيدة وحميمية. وللدولة وحدها الحق في ممارسة العنف المادي، إذ لا يحق لأي فرد أو جماعة ممارسة هذا العنف إلا بتفويض من الدولة. لكن ألا تتعارض ممارسة العنف مع المواصفات التي يجب أن تتوفر في دولة الحق؟ 2- موقف جاكلين روس: تتمسك دولة الحق بكرامة الفرد ضد كل أنواع العنف والتخويف. اعتبرت جاكلين روس أن دولة الحق هي ممارسة معقلنة لسلطة الدولة، يخضع فيها الحق والقانون إلى مبدإ احترام الشخص البشري وضمان كرامته الإنسانية. هكذا فالفرد في دولة الحق هو قيمة عليا ومعيار أسمى لصياغة القوانين والتشريعات التي تمنع كل أنواع الاستعباد والاضطهاد التي قد يتعرض لها. وما يمكن ملاحظته هنا هو أن الغاية هنا هي الفرد وليس الدولة؛ فهذه الأخيرة هي مجرد وسيلة لخدمة الفرد، إذ تعتبره الغاية الأساسية من كل تشريع. ولن يتم ذلك إلا من خلال مبدأ فصل السلط الذي يمكن من إحقاق الحق وإخضاعه للممارسة المعقلنة القائمة على الاحترام وتطبيق القانون، ونبذ كل أشكال الإرهاب والعنف. الحق والعدالة

يدل لفظ العدالة في تداوله العام على احترام حقوق الغير والدفاع عنها، كما يدل على الخضوع والامتثال للقوانين. وتدل العدالة في معجم لالاند على صفة لما هو عادل، ويستعمل هذا اللفظ في سياق خاص عند الحديث عن الإنصاف Equité) ) أو الشرعية légalité) ). كما يدل لفظ العدالة تارة على الفضيلة الأخلاقية، وتارة على فعل أو قرار مطابق للتشريعات القضائية. كما يدل اللفظ فلسفيا على ملكة في النفس تمنع الإنسان عن الرذائل، ويقال بأنها التوسط بين الإفراط والتفريط. هكذا يمكن الحديث عن مستويين في العدالة: - مستوى يرتبط بالمؤسسات القانونية والقضائية التي تنظم العلاقات بين الناس في الواقع. - ومستوى يرتبط بالعدالة كدلالة أخلاقية، وكمثال أخلاقي كوني يتطلع الجميع لاستلهامه. أما فيما يخص مفهوم الحق، فيمكن القول بأن له دلالتين رئيسيتين: - دلالة في المجال النظري والمنطقي؛ حيث يعني اليقين والصدق والاستدلال السليم. - ودلالة في المجال العملي؛ باعتباره قيمة تؤسس للحياة الاجتماعية والممارسة العملية للإنسان. وهذه الدلالة الثانية هي التي تجعله يتقاطع مع مفهوم العدالة. ويتخذ مفهوما الحق والعدالة أبعادا متعددة؛ طبيعية وأخلاقية وقانونية وسياسية، كما يرتبطا بمجموعة من المفاهيم الأخرى؛ كالطبيعة والثقافة والإنصاف والمساواة. وهو الأمر الذي سيؤدي إلى إثارة مجموعة من الإشكالات سنعالجها من خلال محاور الدرس. المحور الأول: الحق بين الطبيعي والوضعي. *إشكال المحور: هل يتأسس الحق على ما هو طبيعي أم على ما هو وضعي؟ 1- فلاسفة الحق الطبيعي: حالة الطبيعة كمرجعية لتأسيس الحق. حينما نتحدث عن الحق الطبيعي، فإننا نتحدث عن مجموع الحقوق التي يجب أن يتمتع بها الإنسان بحكم طبيعته كإنسان. وقد كان رجوع فلاسفة الحق الطبيعي، كهوبز واسبينوزا وروسو، إلى حالة الطبيعة بهدف معرفة الطبيعة الإنسانية وتأسيس المجتمع انطلاقا منها، حتى تكون الحقوق والتشريعات عادلة ومناسبة لأصل الطبيعة الإنسانية، وغير متعارضة معها. وصحيح أن هؤلاء الفلاسفة اختلفوا في تصورهم لحالة الطبيعة ولأصل الإنسان، إلا أنهم يشتركون في مبدإ أساسي هو جعل الطبيعة المفترضة للإنسان أساسا لكل حقوقه في الحالة المدنية أو الاجتماع. من هنا فللإنسان حسب هذا التصور الطبيعي للحق، حقوق لا يمكن المساس بها، وهي حقوق مطلقة وكونية. وإذا أخذنا نموذج هوبز مثلا، فإننا نجده يعرف حق الطبيعة بأنه الحرية التي تخول لكل إنسان في أن يسلك وفقا لما تمليه عليه طبيعته الخاصة وما يراه نافعا له. أما حالة الطبيعة فهي عنده حالة حرب الكل ضد الكل، إنها حالة صراع وعنف وفوضى. كما تصور هوبز بأن الطبيعة الإنسانية شريرة، وأن الإنسان ذئب للإنسان. وانطلاقا من هذا التصور ارتأى هوبز ضرورة تأسيس الحق في حالة الاجتماع على القوة، قوة الأمير الذي سيفرض نفسه على الجميع ويتنازل له الأفراد عن حرياتهم الطبيعية. هكذا يتأسس الحق عند هوبز على القوة وعلى ما هو طبيعي؛ لأن أساس الحق عنده نابع من تصوره لطبيعة الإنسان. أما إذا أخذنا نموذج روسو، فإننا نجده يختلف مع هوبز في تصوره لحالة الطبيعة ولطبيعة الإنسان؛ إذ يرى أنها حالة أمن وسلام، وأن الإنسان خير بطبعه. لكنه مع ذلك يلتقي معه في رجوعه إلى حالة الطبيعة من أجل البحث عن مرجعية ومرتكز لتأسيس الحق. هكذا فمبادئ التعاقد الاجتماعي عند روسو تجد ينابيعها الأولى في الحقوق الطبيعية للإنسان. من هنا فالحق يجد أساسه عند روسو فيما هو طبيعي، أي في مجموع المواصفات التي كانت تميز حياة الإنسان في الحالة الطبيعية الأولى. وبخلاف هذا التصور الذي يؤسس الحق على تصور معين للطبيعة الإنسانية، يأتي التصور الوضعي الذي يؤسسه على مرتكزات ثقافية ووضعية. 2- الموقف الوضعي: تأسيس الحق على الأوضاع السائدة داخل كل مجتمع. ترفض النزعة الوضعية القانونية تأسيس الحق على أية اعتبارات ميتافيزيقية وطبيعية، وتؤسسه‘ بخلاف ذلك‘ على اعتبارات واقعية وثقافية. هكذا يرى هانز كيلسن، أحد ممثلي هذه النزعة، أنه لا وجود لحق غير الحق الوضعي الفعلي الذي يتحدد انطلاقا من اعتبارات واقعية، ومن موازين القوى المتصارعة على أرض الواقع. وهذا ما يضفي على الحق طابع النسبية والتغير، ويجعل من غي الممكن الحديث عنه خارج إطار القوانين المتجسدة في المؤسسات القضائية والتنفيذية التي تفرضه في الواقع. وفضلا عن هذا، يرى كيلسن أن هناك اختلاف في المرجعيات السيكولوجية والاجتماعية والثقافية بين الناس، مما ينعكس على تصورهم لأساس الحق، ويجعل هذا الأخير يختلف باختلاف المبادئ التي يرتكز عليها. وإذا كان الحق لا يتجسد إلا من خلال القوانين التي من المفترض أنها وضعت بهدف تحقيق العدالة والإنصاف والمساواة بين الأفراد، فإن هذا يثير إشكال العلاقة بين الحق والعدالة. المحور الثاني: العدالة كأساس للحق. *إشكال المحور: كيف تتحدد علاقة الحق بالعدالة؟ وهل يمكن اعتبار العدالة أساسا للحق؟ وهل هناك وجود للحق خارج إطار القوانين التشريعية والقضائية الممثلة للعدالة؟ 1- موقف اسبينوزا: قوانين العدالة كتجسيد للحق. اعتبر اسبينوزا أن هناك مبدأ تقوم عليه الدولة الديمقراطية، وهو تحقيق الأمن والسلام للأفراد عن طريق وضع قوانين عقلية تمكن من تجاوز قوانين الشهوة التي هي المصدر الأساسي لكل كراهية وفوضى. من هنا يتحدث اسبينوزا عن القانون المدني الذي تحدده السلطة العليا، والذي يجب على الأفراد احترامه للمحافظة على حرياتهم ومصالحهم المشتركة. وهذا القانون هو الذي تتجسد من خلاله العدالة التي تتمثل في إعطاء كل ذي حق حقه. ولهذا يدعو اسبينوزا القضاة المكلفين بتطبيق القانون إلى معاملة الناس بالمساواة والإنصاف، من أجل ضمان حقوق الجميع، وعدم التمييز بينهم على أي أساس طبقي أو عرقي أو غيره. هكذا يبدو أنه لا يمكن تصور عدالة خارج إطار مبادئ العقل المجسدة في القانون المدني الذي تتكفل الدولة بتطبيقه، كما لا يمكن تصور تمتع للناس بحقوقهم خارج قوانين العدالة. فالعدالة والحالة هاته، هي تجسيد للحق وتحقيق له؛ إذ لا يوجد حق خارج عدالة قوانين الدولة. أما خارج هذه القوانين التي يضعها العقل، فإننا نكون بإزاء العودة إلى عدالة الطبيعة التي استحال فيها تمتع الجميع بحقوقهم المشروعة في الحرية والأمن والاستقرار. لكن ألا يمكن أن نعتبر أن الحق يسمو على قوانين العدالة وتشريعاتها القضائية، وأن هذه الأخيرة قد تكون جائرة وهاضمة للحقوق المشروعة للأفراد؟ معنى ذلك أنه يجب البحث عن أساس آخر للحق غير العدالة وقوانينها؟ 2- موقف شيشرون: لا يتجسد الحق دائما من خلال قوانين الشعوب. يرى شيشرون أن المؤسسات والقوانين لا يمكن أن تكون أساسا للحق، مادام أن هناك قوانينا يضعها الطغاة لخدمة مصالحهم الخاصة وتهضم حقوق بقية الناس. ولذلك يجب تأسيس الحق والعدالة تأسيسا عقليا؛ إذ أن الحق الوحيد هو الذي يؤسسه قانون واحد مبني على قواعد العقل السليم الذي يشرع ما يجب فعله وما يجب اجتنابه. ومن جهة أخرى يذهب شيشرون إلى القول بأنه "لن توجد عدالة ما لم توجد طبيعة صانعة للعدالة"، وهذه هي الطبيعة الخيرة التي تتمثل في ميلنا إلى حب الناس الذي هو أساس الحق. و " طالما لم يقم الحق على الطبيعة فإن جميع الفضائل ستتلاشى". هكذا يبدو أن شيشرون يؤسس الحق تأسيسا عقليا وأخلاقيا، ويعترض على تأسيسه انطلاقا من المنافع الخاصة وما هو حاصل على أرض الواقع. لكن المشكل الذي تطرحه نظرية شيشرون هو طابعها المثالي؛ إذ أن الناس في الواقع لا تصدر عنهم دائما سلوكات خيرة إما بسبب نزوعاتهم العدوانية كما يرى البعض، أو بسبب الصراع حول المصالح كما يرى البعض الآخر. وإذا كان الناس متفاوتين في الواقع بسبب الاختلافات الموجودة بينهم في المؤهلات والمزايا والمراتب الاجتماعية وغير ذلك، فهل يجب أن نطبق عليهم القوانين بالتساوي أم يجب مراعاة روح هذه القوانين لإنصاف كل واحد منهم؟ المحور الثالث: العدالة بين المساواة والإنصاف. *إشكال المحور: هل ينبغي تطبيق العدالة بين الناس بالتساوي، بحيث يكون الجميع أمامها سواسية، أم يجب إنصاف كل واحد منهم بحسب تميزه عن الآخرين؟ وبتعبير آخر؛ إذا كانت العدالة تهدف إلى خلق المساواة في المجتمع، فهل بإمكانها إنصاف جميع أفراده؟ 1- موقف ألان (إميل شارتيي): العدالة هي معاملة الناس بالمساواة. لا يمكن الحديث‘ حسب ألان، عن الحق إلا في إطار المساواة بين الناس. فالقوانين العادلة هي التي يكون الجميع أمامها سواسية. والحق لا يتجسد إلا داخل المساواة باعتبارها ذلك الفعل العادل الذي يعامل الناس بالتساوي بغض النظر عن التفاوتات القائمة بينهم. وهنا يتحدث ألان عن السعر العادل ويميزه عن سعر الفرصة؛ بحيث أن الأول هو المعلن داخل السوق والذي يخضع له الجميع بالتساوي، بينما الثاني هو سعر يغيب فيه التكافؤ بين الطرفين؛ كأن يكون أحدهما مخمورا والآخر واعيا، أو يكون أحدهما عالما بقيمة المنتوج والآخر جاهلا بذلك. هكذا فالمساواة لن تتحقق حسب ألان إلا إذا عرض الباعة لكل الناس نفس السلع وبثمن موحد. ومعنى ذلك أن العدالة لن تتحقق إلا كانت القوانين الجاري بها العمل تعامل الناس بالمساواة التي هي أساس إحقاق الحق. وفي هذا الإطار يقول ألان: " لقد ابتكر الحق ضد اللامساواة. والقوانين العادلة هي التي يكون الجميع أمامها سواسية... أما أولائك الذين يقولون إن اللامساواة هي من طبيعة الأشياء، فهم يقولون قولا بئيسا". ومثل هذا القول "البئيس" هو الذي نعتقد أنه يقول به ماكس شيلر. 2- موقف ماكس شيلر: المطالبة بالمساواة المطلقة هي عدالة جائرة. يذهب ماكس شيلر إلى القول بأن العدالة لا تتمثل في المطالبة بالمساواة المطلقة بين الناس؛ لأنها مساواة جائرة ما دامت لا تراعي الفروق بين الأفراد فيما يخص الطبائع والمؤهلات التي يتوفرون عليها. فالعدالة المنصفة هي التي تراعي اختلاف الناس وتمايز طبائعهم ومؤهلاتهم. ومن الظلم أن نطالب بالمساواة المطلقة بين جميع الناس؛ ذلك أن وراء هذه المطالبة بالمساواة كراهية وحقد على القيم السامية، ورغبة دفينة في خفض مستوى الأشخاص المتميزين إلى مستوى الأشخاص الذين هم في أسفل السلم. هكذا ينتقد ماكس شيلر ما يسميه بالأخلاقية الحديثة التي تقول بأن جميع الناس متساوون أخلاقيا، وبالتالي تنفي التفاوتات الموجودة بينهم على مستوى ما يتوفرون عليه من مؤهلات. ويرى أن هذه المساواة المطلقة هي فكرة عقلانية نابعة من حقد وكراهية الضعفاء ومن هم في أسفل درجات السلم تجاه الأقوياء الذين يمتلكون مؤهلات وقدرات أكثر من غيرهم تجعلهم يتواجدون في أعلى السلم الاجتماعي. وبدلا من هذه الأخلاق العقلانية التي تنادي بالمساواة الصورية والنظرية، يقترح شيلر ما أسماه بالأخلاق الموضوعية التي تأخذ بعين الاعتبار الفوارق بين الناس على أرض الواقع. وهنا تكمن العدالة المنصفة التي تحافظ على القيم السامية التي يتمتع بها الأشخاص المتفوقون