- التعارض:
- مفهوم التعارض:
التعارض تدور معانيه لغة حول المنع والظهور وحدوث الشئ بعد العدم وأقربها الى موضوعنا المقابلة أو اعتراض كل واحد من الأمرين الآخر.
واصطلاحا عرف بمجموعة تعاريف منها:
- التعارض بين الأمرين هو تقابلهما على وجه يمنع كل واحد منهما مقتضى صاحبه – الآسنوي-.
التعارض هو أن يقتضي أحد الدليلين حكما في واقعة خلاف ما يقتضيه الآخر فيها. -
- التعارض هو التمانع بين الأدلة الشرعية مطلقا بحيث يقتضي أحدهما عدم ما يقتضيه الآخر.
ويميز بعض علماء الأصول في التعريف الإصطلاحي للتعارض بين مفهومين هما:
التعارض بالمعنى العام: وهو التنافي الجزئي الموجود بين العام والخاص والمطلق والمقيد ونحوهما وهذا يوجد بين أكثر الادلة ، وهو في الغالب لايكون مقصودا من المعنى الإصطلاحي عند جمهور علماء الأصول .
التعارض بالمعنى الخاص : وهو التضاد والتنافي الكلي الموجود بين الأدلة الشرعية بحيث يمنع كل واحد منهما مقتضى صاحبه ، وهذا في الغالب هو المقصود من المعنى الإصطلاحي للتعارض عند علماء الأصول .
أما مفهوم التناقض:
فهو في اللغة التخالف وهو أن يتكلم الشخص بما يناقض معناه.
وفي الاصطلاح :
- اختلاف قضيتين (القضية هي قول تحتمل الصدق والكذب) في الكيف (المراد بالكيف عندهم هو الإيجاب والسلب) بحيث تكون إحداهما كاذبة دائما. حاشية الرهاوي على المنار للنسفي .
- التناقض هو ما يكون بين أمرين لا يجتمعان أبداً فى محل واحد ، ولا يرتفعان أبداً عن ذلك المحل ، بل لا بد من وجود أحدهما وانتفاء الآخر
مثاله محال أن يكون الإنسان حيًّا و ميتاً فى آن واحد ،لأن النقيضين لا يجتمعان فى محل واحد،ومحال أن يكون إنسان ما لا حى ولا ميت فى آن واحد
وبهذا المعنى ليس فى القرآن كله صورة ما من صور التناقض العقلي إلا ما يدعيه الجهلاء أو المعاندون .
وقد مثل بعض المغرضين للتعارض بين النصوص الشرعية بآيتين هما :
1- آية سورة يونس: "لا تبديل لكلمات الله" .
2- آية سورة النحل :" وإذا بدلنا آية مكان أية ..".
فالتعارض حاصل عندهم بين نفي وإثبات التبديل لكلمات الله بينما التعمق في فهم الآيتين يفيد:
- أن الآية الأولى تبين انه لا تبديل لقضاء الله الذي يقضيه في شؤون الكائنات، ويتسع معنى التبديل هنا ليشمل سنن الله وقوانينه الكونية الغير القابلة للتبديل .
- أن الآية الثانية تفيد : النسخ بمعنى إذا رفعنا آية – أي وقفنا الحكم بها ووضعنا آية أخرى مكانها أي وضعنا الحكم بمضمونها مكان الحكم بمضمون الأولى ، وبهذا لاتناقض بين النصوص الشرعية على الإطلاق عند التدقيق في فهمها .
- الفرق بين التعارض والتناقض:
وقد اختلف علماء الأصول حول هذا الموضوع على مذهبين هما:
1- المذهب الأول:
يقول بأن التعارض والتناقض مترادفين ومنهم الغزالي الذي يقول: "اعلم أن التعارض هو التناقض".
2- المذهب الثاني:
يقول أصحابه بأنهما ليسا مترادفين وبينهما فرق وهو مذهب بعض الحنفية.
- الفرق بين التعارض والتناقض عند من يقول بذلك يكمن في أمور أهمها:
1- أن التعارض بمفهومه الأصولي مرتبط بالأدلة الشرعية تحديدا بينما التناقض لا يرتبط بموضوع معين وإنما يوجد مطلقا في كل المواضيع.
2- أن التعارض بين الأدلة الشرعية بمفهومه الأصولي يكون في الظاهر فقط لأن التعارض أمر صوري لا حقيقي كما سبق معنا بخلاف التناقض فإنه يكون في الظاهر كما يكون حقيقيا.
3- يترتب على التعارض عند الأصوليين الجمع والتوفيق أو الترجيح بينما يترتب على التناقض السقوط لكل من المتناقضين وعدم اعتبارهما.
- أركان التعـــــارض:
اختلف علماء الأصول حول أركان التعارض على مذاهب أهمها :
أولا : مذهب بعض الأصوليين ومنهم البخاري والبزدوي والتفتازاني وصدر الشريعة وهو أن التعارض له أركان خمسة هي:
1- وجود دليلين أو أكثر فلا تعارض في دليل واحد .
2- ان يكون المتعارضين حجتين يصح التمسك بهما فلا تعارض بين غير الحجتين .
3- التقابل والتدافع بين حجتي الدليلين بأن تقتضي إحداهما خلاف الأخرى.
4- كون الدليلين متساويين من حيث القوة فلا تعارض بين القطعي والظني.
5- عدم إمكانية الجمع بين الدليلين المتعارضين لأنه إذا أمكن ذلك فلا تعارض.
ثانيا : مذهب قلة من الأصوليين ومنهم ابن الهمام والشوكاني وهو أن التعارض له ركن واحد هو :
- تقابل الحجتين المتساويتين على وجه يوجب كل واحد منهما نقيض ما توجبه الأخرى كالحل والحرمة أو النفي والإثبات مثلا.
- مذاهب العلماء من جواز وقوع التعارض:
اختلف العلماء حول هذا الموضوع على مذاهب ثلاثة هي:
1- المذهب الأول:
يرى عدم جواز وقوع التعارض بين الأدلة الشرعية مطلقا سواء كانت نقلية أم عقلية قطعية أو ظنية.
لأن الشريعة ترجع إلى أصل واحد، وإن وجد الاختلاف فمرده عندهم إلى خطأ الناس في النقل أو في الفهم أو ناتج عن وضع الدليل في غير موضعه أو في اختلاف نظر المجتهدين وليس إلى وجود حكمين مختلفين في موضوع واحد وهذا هو مذهب جمهور علماء الأصول واستدلوا على ذلك بأدلة أهمها:
- قوله تعالى : " ولوكان من عند غيرالله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا " فلا يتصور التعارض بين النصوص لأن ذلك يعني النقص في النصوص.
- قوله تعالى : " فان تنازعتم في شئ فردوه الى الله والرسول " أي أن النصوص الشرعية مصدر لرفع الخلاف فلا يتصورفيها التعارض.
- لو كانت النصوص متعارضة لأدى ذلك الى تفويت مقصد الشارع من التشريع وهذا باطل.
2- المذهب الثاني:
يرى جواز التعارض مطلقا سواء كانت الأدلة نقلية أم عقلية قطعية أم ظنية وهذا هو مذهب بعض الشافعية .
3- -المذهب الثالث:
يرى جواز التعارض بين الأمارات والأدلة الظنية وعدم جواز التعارض بين الأدلة القطعية وهذا هو مذهب بعض الشافعية ومنهم البيضاوي والشيرازي.
- ويمكن التوفيق بين هذه المذاهب المختلفة بحمل كلام القائلين بجواز وقوع التعارض بين الأدلة مطلقا أوبين بعضها على التعارض بمفهومه العام الحاصل بين العام والخاص والمطلق والمقيد والمجمل والمبين والظاهر والنص وحمل كلام المانعين لجواز وقوع التعارض مطلقا أوبين الأدلة القطعية تحديدا على التعارض بمفهومه الخاص الذي يعني التضاد والتناقض.
- أقسام التعارض:
اختلف علماء الأصول حول أقسام التعارض على مذهبين:
1- المذهب الأول : قسم أصحابه وهم علماء الأصول الحنفية التعارض إلى قسمين هما:
1- تعارض بلا ترجيح وهذا يكون بين الدليلين القطعيين فإذا حصل بين القطعيين تعارض لا يتصور الترجيح بينهما بل ينظر في تاريخ كل منهما، لأن المتأخر منهما يكون ناسخا للمتقدم ،وان جهل فإن أمكن الجمع بينهما بوجه من وجوه الجمع جاز ذلك وإلا ترك المجتهد الدليلين معا لتعارضهما ولا رجحان لأحدهما على الآخر فيتساقطا.
2- تعارض يتأتى فيه الترجيح وذلك إذا تعارض دليلان ظنيان وذلك بطريق من طرق الترجيح التي سترد معنا بحول الله.
2- المذهب الثاني :قسم أصحابه وهم جمهور علماء الأصول التعارض الى قسم واحد يكون بين ظنيين ويتأتى فيه الترجيح، أما الدليلين القطعيين فلا يتصور تعارضهما في نظر هذا الفريق من العلماء.
- محل التعارض:
اختلف علماء الأصول حول محل التعارض على مذاهب ثلاثة هي:
1- مذهب الأحناف وأكثر العلماء وهوأن محل التعارض هو ما تتوفر فيه أركانه وشروطه.
2- مذهب بعض الأصوليين كصدر الشريعة والتفتازاني وهو أن محل التعارض يشمل مجالين هي:
1- الدليلان المتساويان في القوة المتنافيان.
2- الدليلان المتنافيان اللذان لأحدهما فضل على الأخر.
3- مذهب بعض الأصوليين كابن الهمام وابن أمير الحاج وهو أن محل التعارض يشمل مجالات أربعة هي :
1- بين الأدلة العقلية والنقلية والمختلفة .
2- بين الأدلة المتساوية والمتفاوتة من حيث القوة كالمتواثر والمشهور والآحاد والقطعي والظني
3- بين الأدلة التي يمكن الجمع بينها والتي لايمكن الجمع بينها.
4- بين الأدلة المتعارض فيما بينها كليا أوجزئيا كالعموم والخصوص والإطلاق والتقييد.
- أسباب وجود التعارض ومبرراته:
للتعارض عند من يقول بحصوله من العلماء أسباب ومبررات متعددة أهمها ثمانية هي:
1- بيان الشارع للأحكام بصيغ مختلفة تتنوع بين العموم والخصوص والعموم الذي يراد منه العموم والعموم الذي يراد منه الخصوص أوبين الإطلاق والتقييد أوبين المنطوق والمفهوم أوغير ذلك مما يؤدي الى تعارض ظاهر النصوص.
2- وجود أكثر من معنى للفظ الواحد كما في المشترك أوالحقيقة والمجازأوبحسب المعنى اللغوي والعرفي وغيرها مما يؤدي الى تعارض ظاهر النصوص.
3- اجتهاد العلماء في القضايا الظنية وتعارض تأويلاتهم وتفسيراتهم واحتمالاتهم مما ينتج عنه تعارض بين هذه الإجتهادات ، وهذا السبب راجع الى اجتهاد العلماء وليس الى الأدلة الشرعية.
4- أن يرد الحكم الشرعي نتيجة سؤال مقتصرا على قدر السؤال أو يزيد على السؤال حكما يحتاجه الناس وقد لايذكر الراوي السؤال فيفهم على عمومه ولكن بعد معرفة السؤال تظهر الحقيقة وعدم الإختلاف بينه وبين غيره .
5- أن يذكر راوي الحديث حديثا بتمامه ويروي راو آخر بعضا منه إما لإستماعه لهذا المقدار فقط أو لأنه سئل عن حكم يتعلق بهذا المقدار فيظهر التعارض بينهما وعند التحقيق ينتفي ذلك لإنسجام المعنى بإلتآم شطري الحديث.
6- أن يحكم الرسول عليه السلام حكما في حالة وحكما آخر في حالة أخرى فيروي بعض الرواة الحكم الأول والبعض الآخر الحكم الثاني فيفهم أن بينهما تعارضا لكن عند التحقيق ينتفي ذلك لإختلاف الحالتين.
7- قد يكون سبب التعارض أن أحد الحديثين المتخالفين ناسخ للآخر ولكن لايعلم بذلك المجتهد فيظنه تعارضا وهو ليس كذلك.
8- ورود القراءات المختلفة للقرآن الكريم بحيث تدل كل واحدة على حكم مختلف يفهم منه التعارض وهو ليس كذلك إذا كانت القراءات متواثرة.
هذه أبرز أسباب ومبررات وجود التعارض عند من يقول به من العلماء .
- شروط التعارض:
ذكر الأصوليون للتعارض شروطا لابد منها لثبوته بين الأدلة من أهمها ستة هي:
1- أن يكون الدليلان متضادين وذلك بان يكون أحدهما يحل شيئا والآخر يحرمه.
2-أن تكون كل من الأدلة المتعارضة حجة يصح التمسك بها.
3- عدم إمكانية الجمع بين الدليلين المتعارضين ،أما عند إمكانية ذلك فلا مجال لتحقق التعارض .
4 - أن يكون الدليلان متساويان في القوة حتى يتحقق التعارض أما إذا كانا متفاوتين فلا يحصل بينهما تعارض.
5-أن يكون تقابل الدليلين في محل واحد حتى يتحقق التعارض لأن التعارض لا يكون بين دليلين في محلين مختلفين فالنكاح مثلا يوجب الحل في المنكوحة ويوجب الحرمة في أمها وابنتها لذلك لا يقال بحلية النكاح وحرمته لأن محل الحكم ليس واحدا.
6- أن يكون تقابل الدليلين في وقت واحد بمعنى انه لابد من اتحاد الزمن بين الدليلين وإلا ما كان ذلك تعارضا مثال ذلك الأكل في نهار رمضان حرام وفي غير رمضان حلال .
- وأضاف بعض الأصوليين شرط أن يكون الدليلان غير قطعيين.
- الضوابط التي يتحقق بوجودها التعارض بين الأدلة الشرعية:
تختلف الضوابط التي يتحقق بوجودها التعارض بين الأدلة الشرعية باختلاف المدارس الأصولية:
ا- أهم الضوابط التي يتحقق بوجودها التعارض بين الأدلة الشرعية عند أبرز رواد المدرسة الشافعية والجمهورأهمها سبعة هي:
1- أن يتوفر الدليلان المتعارضان على أركان التعارض أما اذا انعدمت جميعها أو بعضها على مذهب من يقول بأنها متعددة فلا تعارض بينها.
2- أن يتوفر الدليلان المتعارضان على شروط التعارض أما اذا انعدمت جميعها أو بعضها فلا تعارض بينها .
3- ان يكون الدليلان المتعارضين في مرتبة واحدة أما اذا كان أحد المتعارضين ليس في مرتبة الدليل الآخر فيقدم الأقوى على الأضعف ولا تعارض بينهما.
4- ان يكون الدليلان المتعارضين حجة شرعية أما اذا كان الدليلان المتعارضين ليست لهما حجة شرعية أوأحد المتعارضين ليس كذلك كرد أحد القياسين لكونه قياسا مع وجود الفارق فلا تعارض بينهما.
5- ان يكون الدليلان المتعارضين غير مقدم بعضهما على البعض عند العلماء أما اذا كان أحدهما مقدم على الآخر نقوم بتقديمه لأسبقيته كتقديم الإجماع بالتصريح على الإجماع السكوتي والمستفاد بالمنطوق على المستفاد بالمفهوم ولا تعارض بينهما.
6- ان يكون الدليلان المتعارضين لانسخ بينهما أما اذا ثبت بينهما نسخ فلا تعارض بينهما.
7- ان يكون الدليلان المتعارضين ليس بينها عموم وخصوص أو إطلاق وتقييد أما إذا ثبت بينهما ذلك يقدم الخاص على العام والمطلق على المقيد ونحو ذلك ولا تعارض بينهما.
ب- أهم الضوابط التي يتحقق بوجودها التعارض بين الأدلة الشرعية عند أبرز رواد المدرسة الحنفية أهمها أربعة هي :
1- أن يتوفر الدليلان المتعارضان على شروط التعارض أما اذا انعدمت جميعها أو بعضها فلا تعارض بينهما .
2- أن لا يكون الحكم الثابت بأحد الدليلين هو المنفي بالدليل الآخر أما اذا كان الأمر كذلك فلا تعارض بينهما.
3- بيان حال المتعارضين بمعرفة التعارض هل هو حقيقي أم لا فاذا تبين أن التعارض حقيقي قاموا بازالته وإلا فلا تعارض بينهما.
4- ان يكون الدليلان المتعارضين لانسخ بينهما أما اذا ثبت بينهما نسخ صراحة أودلالة فلا تعارض بينهما.
- وقد درس علماء الأصول الضوابط التي يتحقق بوجودها التعارض بين الأدلة الشرعية للتأكد من وجود التعارض والبحث عن الطرق الكفيلة بإزالته عند تحققه.
- طرق دفع التعارض عند الاصوليين:
يمكن التمييز في طرق دفع التعارض بين مسلكين هما مسلك معظم الشافعية ومسلك معظم الحنفية.
1- مسلك معظم الشافعية في طرق دفع التعارض:
ويمكن الفصل فيه بين طرق دفع التعارض بين النصوص، وطرق دفع التعارض بين قياسيين.
1-- طرق دفع التعارض بين النصوص عند معظم الشافعية وهي أربعة:
1- الجمع والتوفيق بين الدليلين المتعارضين بوجه من وجوه التأويل المقبول:
لأن إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما وما دام الجمع بين النصين ممكنا كان العمل بينهما متعينا مثال ذلك:
* قوله عليه السلام: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد" ينفي هذا النص صحة صلاة جار المسجد في غير المسجد.
* إقراره عليه السلام لمن صلى في غير المسجد مع كونه جارا له وهذا يفيد صحة صلاة جار المسجد في غير المسجد.
والجمع بين النصين كامن في أن الحديث الأول يفيد نفي الكمال وهكذا فصلاة جار المسجد في غير المسجد صحيحة إلا أن صلاته في المسجد أكمل.
2- الترجيح بين الدليلين:
وذلك بالمرجحات التي سنتناولها فيعمل المجتهد بما اقتضاه الدليل الراجح.
3- النســــخ:
إذا كان النصان قابلين للنسخ وعلم تقدم أحدهما وتأخر الآخر يجعل المتأخر ناسخا للمتقدم.
4- تساقط الدليلين:
إذا تعذر الجمع والترجيح والنسخ يترك العمل بالدليلين ويعمل بغيرهما من الأدلة وهذه عندهم صورة فرضية لا وجود لها في الواقع.
- وقد خالف المحدثين وهم مندرجون ضمن الجمهور والشافعية في ترتيب هذه الطرق حيث اعتمدوا على الجمع أولا ثم النسخ ثم الترجيح ثم التساقط.
2-طرق دفع التعارض بين دليلين غير نصيين:
وترتبط هذه الحالة عندهم بتعارض قياسين، وإزالة التعارض بينهما يكون بطرق أهمها أربعة هي:
1- الترجيح الناتج عن مرجح مرتبط بركن الأصل.
2- الترجيح الناتج عن مرجح مرتبط بركن الفرع.
3- الترجيح الناتج عن مرجح مرتبط بركن العلة.
4- الترجيح الناتج عن مرجح مرتبط بأمر خارج عن القياس ولكل طريق من هذه الطرق مرجحات تندرج تحتها سنتناولها عند تناولنا للترجيح بين الاقيسة في طرق الترجيح.
2- مسلك معظم الحنفية في طرق دفع التعارض:
ويمكن الفصل فيها بين طرق دفع التعارض بين النصوص وطرق دفع التعارض بين قياسين وفي هذا يتفق الحنفية مع الشافعية لكنهم يختلفون في الطرق المندرجة تحت هذين القسمين وترتيبهما.
1- طرق إزالة التعارض بين النصوص عند معظم الحنفية وهي أربعة:
1- النسخ:
وذلك بالبحث في تاريخ النصين فإذا علم تقدم أحدهما وتأخر الآخر حكم بان المتأخر ينسخ المتقدم إذا كانا متساويين في القوة مثال ذلك:
- قوله تعالى: "والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا" فإنها تقتضي بعمومها أن عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام سواء أكانت حاملا أم لا.
- وقوله سبحانه: "وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن" مقتضى هذا النص ان المرأة الحامل تنقضي عدتها بوضع الحمل سواء أكانت متوفى عنها زوجها أو مطلقة.
فهاتان الآيتان متعارضتان في الظاهر وإزالة ذلك بما رواه ابن مسعود رضي الله عنه من أن الآية الثانية متأخرة في النزول عن الأولى فهي ناسخة في القدر الذي تعارضا فيه وهو عدة الحامل.
2- الترجيح:
إذا لم يعلم تاريخ النصين المتعارضين للقول بنسخ أحدهما للآخر يعمد إلى الترجيح بالمرجحات التي سترد معنا في طرق الترجيح، والترجيح مقدم عند الأحناف على الجمع مثال ذلك.
- قوله عليه السلام: "استنزهوا من البول:"الذي يفيد نجاسة البول وحرمة تناوله.
- وما رواه الترمذي عن انس بن مالك: "أن أناسا من عرينة قدموا المدينة فاجتووها فبعثهم رسول الله عليه السلام في إبل الصدقة وقال: "اشربوا من ألبانها وأبوالها" الذي يفيد عدم نجاسة البول وجواز تناوله ورجحوا التحريم على الجواز لان دفع الضرر مقدم على جلب المصلحة.
3- الجمع والتوفيق:
إذا تعذر الترجيح يلجأ المجتهد إلى الجمع والتوفيق بين النصين بوجه من وجوه التأويل لأنه يحقق أحيانا العمل بالدليلين وإعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما مثال ذلك:
- قوله تعالى: "والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء" ،هذا النص عام يوجب العدة على كل مطلقة قبل الدخول بها او بعده.
- وقوله سبحانه: "يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل ان تمسوهن فمالكم عليهن من عدة تعتدونها" هذا النص خاص يفيد أن المعقود عليها إذا طلقت قبل الدخول بها ليست عليها عدة.
فالجمع بين النص يكون بالعمل بالخاص في موضعه وبالعام فيما وراء ذلك.
4- تساقط الدليلين والاستدلال بما دونهما في الرتبة:
إذا تعذر الدليلان وتعذر النسخ والترجيح والجمع يلجأ الحنفية إلى إسقاط الدليلين لتعارضهما ويلجأ المجتهد إلى الاستدلال بما دونهما في الرتبة، وإنما يلجأ المجتهد إلى الأدنى لتعذر العمل بالأرقى مثال ذلــك:
- ما ورد عن النعمان بن بشير أن النبي عليه السلام صلى صلاة الكسوف كما تصلون ركعة وسجدتين.
وما ورد عن عائشة رضي الله عنها أن الرسول عليه السلام صلاها ركعتين بأربعة ركوعات وأربع سجدات.
ليس هناك مرجح لأحد الحديثين على الآخر لذا ترك الحنفية العمل بهما وأخذوا بالقياس الذي هو أدنى منهما وهو قياس صلاة الكسوف على بقية الصلوات الأخرى.
- على أن هناك من علماء الأصول من قدم الترجيح أولا قبل بقية الطرق وهناك من قال بسقوط الدليلين أولا ولكن أقوالهم تبقى فردية وأدلتها ضعيفة.
2- طرق إزالة التعارض بين دليلين غير نصيين عند الحنفية
وترتبط هذه الحالة عندهم بتعارض قياسين وإزالة التعارض بينهما يكون بطريقين هما:
1- الترجيح بينهما بأحد المرجحات كالترجيح بالعلة المنصوصة على العلة المستنبطة مثلا.
2- الترجيح بينهما بما اطمأنت إليه نفس المجتهد: إذا لم يكن هناك مرجح لأحد القياسين على الآخر فإن المجتهد يرجح بن القياسين بما اطمأنت إليه نفسه.
* المقارنة بين مسلك الشافعية والحنفية في طرق دفع التعارض
1- أوجه الاتفاق وأهمها:
- يقسم كل منهما طرق دفع التعارض إلى طرق دفع التعارض بين النصوص وطرق دفع التعارض بين دليلين غير نصيين.
- إن طرق دفع التعارض بين النصوص عند كل من الشافعية والحنفية أربعة هي الجمع والنسخ والترجيح وتساقط النصين.
- إن طرق دفع التعارض بين الدليلين غير نصين ترتبط عند كل من الشافعية والحنفية بتعارض قياسين.
- أن كلا من المسلكين يتفقان حول ترتيب مسلك الترجيح في المرتبة الثانية ومسلك تساقط الدليلين في المرتبة الرابعة
2- أوجه الاختلاف وأهمها:
- يختلف مسلك الشافعية والحنفية في ترتيب طرق دفع التعارض بين النصوص حيث يرتبها الشافعية كالتالي:
1- الجمع 2- الترجيح 3- النسخ 4- تساقط النصين.
- بينما رتبها الحنفية على الشكل التالي:
1- النسخ 2- الترجيح 3- الجمع 4- تساقط الدليلين:
2- الجمع والتوفيق:
- مفهوم الجمع والتوفيق :
الجمع لغة: هو مصدر قولك جمعت الشيء وهو تأليف المتفرق.
واصطلاحا:هو بيان التوافق والإئتلاف بين الأدلة الشرعية سواء كانت عقلية أو نقلية، وإظهار أن الاختلاف غير موجود بينهما حقيقة سواء كان ذلك البيان بتأويل الطرفين أو أحدهما.
- مفهوم التوفيق: لغة هو التسديد وإصطلاحا هو الموافقة بين الدليلين المختلفين سواء كانا عقليين أو نقليين وبيان أن الإختلاف غير موجود بينهما حقيقة سواء كان ذلك البيان بتأويل الطرفين أوأحدهما، وهو لايختلف عن مفهوم الجمع.
- مذاهب العلماء في الجمع والتأويل :
اتفق الأصوليون على وجوب الجمع بين الأدلة التي يوهم ظاهرها التعارض غير أن مذاهبهم مختلفة في مقدار الأخذ به والرفض له على ثلاثة مذاهب هي:
1- المذهب الأول:
ذهب أصحابه ومنهم ابن خزيمة وابن الصلاح وابن حزم إلى التساهل في قبول الجمع والتوفيق بين المتعارضين وقالوا لو لم يتيسر ذلك بالتأويل القريب فليكن بالتأويل البعيد شريطة ان لا يتعارض ذلك التأويل البعيد مع مقاصد الشريعة أو مع إجماع الأمة أو مع الأدلة القطعية (والتأويل هو صرف اللفظ من معناه الظاهر الى معنى مرجوح يحتمله لدليل دل على ذلك).
2- المذهب الثاني:
وذهب أصحابه إلى التشدد في قبول الجمع وتأويل المختلفين وضيقوا دائرته وهو مذهب معظم الحنفية وبعض الشافعية والإمام مالك.
3- المذهب الثالث:
وهو وسط في قبول الجمع والتأويل فلم يتساهلوا في الجمع دون قيد أوشرط، وفي نفس الوقت لم يرفضوا جميع التأويلات القريبة والبعيدة بل قبلوا منها ما كان قريبا صحيحا متوافقا مع روح الشريعة ومقاصدها وهو مذهب جمهور العلماء.
- شروط الجمع والتوفيق بين المتعارضين:
وضع العلماء شروطا للجمع بين الأدلة المتعارضة والتوفيق بينها أهمها ثمانية هي:
1- أن يكون كل من الدليلين المتعارضين ثابت الحجة كصحة سند الحديثين مثلا.
2- ان لا يؤدي الجمع إلى بطلان نص من نصوص الشرعية القطعية أوالصحيحة أويتعارض معه أومع مقاصد الشريعة.
3- أن لا يكون الجمع والتوفيق بين المتعارضين بالتأويل البعيد الذي لا يستند على دليل أو يستند على دليل مرجوح على مذهب الجمهور.
4- أن يكون الدليلان المتعارضان متساويين ليصح الجمع بينهما.
5- أن لا يكون المتعارضان بحيث يعلم تأخر أحدهما عن الآخر لأن ذلك إن علم يترتب عليه النسخ وهذا الشرط نسب إلى الحنفية.
6- أن يكون الباحث في المتعارضين والناظر فيهما من أجل الجمع أهلا لذلك.
7- أن لايكون كل من الدليلين المتعارضين متضادين تضادا تاما فإذا كان الأمر كذلك فلا مجال للجمع بينهما .
8- أن يقوم دليل على صحة الجمع والتوفيق وأن يكون ذلك الدليل أقوى دلالة من اللفظ المعارض .
- طرق الجمع والتوفيق بين الأدلة الشرعية المتعارضة عند الأصوليين:
نص بعض العلماء على أن أهم طرق الجمع والتوفيق بين الدليلين المتعارضين الممكن الجمع بينهما ثلاثة هي:
1- الجمع والتوفيق بين المتعارضين بالتأويل في أحد الطرفين المتعارضين تحديدا وذلك إذا كان بينهما عموم وخصوص أو إطلاق وتقييد.
فإذا تعارض دليلان أحدهما عام والثاني خاص يتعين تأويل العام ليكون موافقا للخاص مثلا:
- قوله تعالى: فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه " فهذا النص يفيد بعمومه جواز الأكل مما أمسك كلب الصيد سواء أكل الكلب منه أم لا وسواء وجد مع كلب الصيد كلب آخر أم لا وهو بعمومه هذا يتعارض مع قوله:
- عليه السلام: إذا أكل- أي الكلب - فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه:
ولدفع التعارض يؤول النص العام بما لا يتعارض مع الخاص أو بما يتلاءم معه بحيث يحمل العام على ما عدا الخاص.
2- الجمع والتوفيق بين المتعارضين بالتاويل في أحد الطرفين المتعارضين الغير المعين:
بمعنى أن كلا من النصين المتعارضين يمكن تأويله من أجل الجمع مثال ذلك:
- قوله عليه السلام: من بدل دينه فاقتلوه هذا النص صريح في وجوب قتل من بدل دينه سواء كان رجلا أو امرأة غير انه يتعارض مع ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله عليه السلام نهى عن قتل النساء.
وجمع العلماء بين الحديثين بالحكم بالقتل على كل مرتد ومرتدة مع حمل حديث النهي على الكافرة الأصلية ما دامت لم تباشر القتال.
3- الجمع والتوفيق بين المتعارضين بحيث يربط حكم أحدهما ببعض الأفراد ويربط حكم الآخر بالبعض الآخر: وهذا عمل بالدليلين وذلك بتوزيع أفراد المسألة على الدليلين.
3- الترجيح:
- مفهوم الترجيح:
الترجيح لغة: هو التغليب والتمييل ومنه رجح الميزان إذا مال.
وفي الاصطلاح عرف بتعاريف منها:
- " تقديم المجتهد أحد الدليلين المتعارضين لما فيه من مزية معتبرة تجعل العمل به أولى من الآخر".
- " تقديم المجتهد بالقول أو الفعل أحد الطريقين المتعارضين لما فيه من مزية معتبرة تجعل العمل به أولى من الآخر .
ضوابط التعريف الأول:
1- تقديم: تفضيل أحد الدليلين على الآخر.
2- المجتهد : وهو الجهة الموكول إليها الترجيح وقد ناقش العلماء في هذا الضابط هل الترجيح صفة للأدلة أم هو من فعل المجتهد؟ واختلفوا في ذلك على مذاهب ثلاثة:
- المذهب الأول:
يرى أن الترجيح من فعل المجتهد وهو مذهب الجمهور.
- المذهب الثاني:
يرى أن الترجيح هو صفة للأدلة وهو مذهب بعض العلماء ومنهم الآمدي وابن الحاجب والبزدوي.
- المذهب الثالث:
يرى أن الترجيح يمكن أن يكون صفة للأدلة كما يمكن أن يكون من فعل المجتهد وهو مذهب بعض العلماء ومنهم التفتازاني وعبد العزيز البخاري وابن أمير الحاج.
3- أحد الدليلين المتعارضين: وهو يفيد ضرورة وجود دليلين شرعيين لتحقق وجود الترجيح وقد ناقش العلماء في هذا الضابط هل يرتبط الترجيح بالتعارض أم لا؟ (والتعارض هوأن يقتضي أحد الدليلين حكما في واقعة خلاف ما يقتضيه الأخر فيها) واختلفوا حول هذا الموضوع على مذهبين هما:
- المذهب الأول:
يرى أن الترجيح لا يوجد إلا بين المتعارضين وهو مذهب الجمهور ومنهم الآمدي وابن الحاجب والشوكاني وهو الراجح.
- المذهب الثاني:
يرى أن الترجيح لا يوجد مع التعارض ولا يشترط لوجود الترجيح وجود التعارض، فالتعارض في نظرهم يباين الترجيح وهو مذهب بعض العلماء.
4- لما فيه من مزية معتبرة تجعل العمل به أولى من الآخر:وهذا يفيد ضرورة وجود خاصية ترجح أحد الأدلة على الأخرى وقد ناقش العلماء في هذا الضابط هل يكون الترجيح بكثرة الأدلة أم لا؟ وقداختلفوا في ذلك على مذهبين:
- المذهب الأول:
يرى أن الترجيح يكون بكثرة الأدلة لأن المقصود من الترجيح عندهم هو قوة الظن وهذا يحصل للدليل الذي يعضده دليل آخر فيرجح على الدليل الذي لم يعضده دليل آخر وهذا هو مذهب الجمهور.
- المذهب الثاني:
يرى أن الترجيح لا يكون بكثرة الأدلة لأن الشيء إنما يتقوى بصفة توجد في ذاته لا بانضمام مثله إليه عندهم ولو جاز الترجيح بكثرة الأدلة في نظرهم لجاز ترجيح القياس الذي يؤيده قياس آخر على النص الشرعي وهذا مرفوض اتفاقا وهو مذهب الحنفية.
أركان الترجيح:
للترجيح أركان أربعة هي:
1- وجود دليلين فأكثر وهما الراجح والمرجوح سواء كانا من النصوص أو الأقيسة أوغيرهما .
2- وجود مزية في أحد المتعارضين يرجح به ويسمى مرجحا.
3- المجتهد الناظر في الأدلة والذي يقوم بعملية الترجيح ولقيامه بذلك لابد من توفره على شروط الإجتهاد.
4- الترجيح وهو بيان المجتهد أن أحد الدليلين أقوى من الدليل الآخر ويكون ذلك إما بالفعل أو بالقول أوبالكتابة وهو الغالب .
- المجالات القابلة للترجيح:
اختلف علماء الاصول حول المجالات القابلة للترجيح وأهمها عندهم ثلاثة هي :
1- الأدلة الشرعية الظنية المتعارضة كخبر الآحاد والقياس مثلا.
2- الأدلة القطعية عند من يرى ذلك على مستوى ترجيح بعضها على البعض إما لتفاوت درجتها أوخصائصها وجلائها.
3- الأقوال المتعارضة المنقولة عن اجتهادات العلماء أوالوجوه المستخرجة من النصوص الشرعية خاصة الواردة عن ائمة المذاهب.
- مذاهب العلماء من العمل بالراجح وأدلتهم على ذلك:
اختلف العلماء في العمل بالراجح على مذهبين هما:
- المذهب الأول:
يرى أصحابه وجوب العمل بالراجح سواء كان الرجحان قطعيا أو ظنيا، وفي مقابل ذلك ضرورة عدم العمل بالمرجوح وهذا هو مذهب الجمهور.
- أدلة مشروعية العمل بالراجح عند أصحاب هذا المذهب :
استدل العلماء للعمل بالراجح( وهو ما قوي دليله) بأدلة أهمها هي:
1- إجماع الصحابة والسلف: على تقديم الراجح من الأدلة في وقائع مختلفة مثال ذلك:
- ترجيحهم حديث عائشة رضي الله عنها: "إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل.
- على حديث أبي هريرة رضي الله عنه: إنما الماء من الماء".
وذلك لأن عائشة رضي الله عنها أعرف بحال النبي عليه السلام.
2- المعقول: حيث أن العقل يقتضي وجوب العمل بالراجح وهو أمر مقرر لا نزاع فيه.
- المذهب الثاني:
ينكر أصحابه الترجيح بين الأدلة عند تعارضها وفي مقابل ذلك يأخذون إما بالتخيير أو التوقف وهو مذهب بعض العلماء.
- أدلة عدم العمل بالراجح عند أصحاب هذا المذهب :
استدل من قال بعدم مشروعية العمل بالراجح بأدلة أهمها:
1- قوله تعالى: "فاعتبروا يا أولي الأبصار" حيث أن الآية تأمر بالاعتبار مطلقا من غير تعيين الترجيح وعليه فلا وجه في نظرهم لوجوب العمل بالراجح.
2- قوله عليه السلام: "نحن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر" ولاشك أن الدليل المرجوح إذا كان ظاهرا جاز العمل به.
3 - أنه إذا كان العلماء قد قرروا بأن الترجيح غير معتبر في الأمارات الظنية فإن الترجيح يكون غير معتبر في الأدلة الظنية كذلك للعلاقة الموجودة بينهما.
- موقف العلماء من الترجيح بين دليلين قطعيين:
اختلف العلماء حول هذا الموضوع على مذهبين هما:
- المذهب الأول:
يرى عدم جواز الترجيح بين الأدلة القطعية نقلية كانت أو عقلية( لأن الترجيح عندهم يكون عند التعارض ولا تعارض عندهم بين الأدلة القطعية) وهو مذهب الجمهور ومنهم الشيرازي والغزالي والآمدي والجويني وابن الحاجب ومعظم الشافعية والحنفية
- المذهب الثاني:
يرى جواز الترجيح بين الأدلة قطعية كانت أو ظنية نقلية أو عقلية( لأن التعارض عندهم يقع بين الأدلة القطعية والظنية مطلقا) وهو مذهب بعض الأصوليين كابن أمير الحاج والصفي الهندي والآسنوي والرازي.
- شروط الترجيح:
وضع علماء الأصول للترجيح شروطا أهمها خمسة هي:
1- أن تكون الأدلة متفاوتة فيما بينها ليتم ترجيح بعضها على بعض، أما إذا لم تكن كذلك امتنع الترجيح.
2- أن يتفق الدليلان المتعارضان في الحكم والمحل والجهة التي يرتبط بها الحكم مع اتحاد الوقت فلا تعارض مثلا بين النهي عن البيع وقت النداء للجمعة وبين الإذن به في غير هذا الوقت.
3- أن يتساوى الدليلان المتعارضان في الثبوت فلا تعارض مثلا بين نص قرآني وخبر آحاد أو بين القطعي والظني لأن الأكثر ثبوتا وقوة يقدم على غيره.
4- أن يرتبط الترجيح بالأدلة الشرعية فلا ترجيح بين غير الأدلة كالدعاوى مثلا.
5- أن يقوم دليل على الترجيح للعمل به، وإلا لا يدعى الترجيح
طرق الترجيح عند علماء الأصول:
يقسم علماء الأصول طرق الترجيح الى قسمين :
1- طرق الترجيح بين النصوص.
2- طرق الترجيح بين الأقيسة.
- طرق الترجيح بين النصوص عند علماء الأصول:
سبق معنا أن حالات التعارض عند علماء الأصول الشافعية والحنفية ترتبط إما بالنصوص او بالأقيسة ومن هنا حددوا طرق الترجيح بين النصوص عند تعارضها وبين الاقيسة عند تعارضها كذلك، وإذا كان علماء الأصول قد اختلفوا حول طرق إزالة التعارض بين النصوص والأقسية وتباينت مناهجهم فإنهم قد اختلفوا حول طرق الترجيح بين النصوص والاقيسة لكن مناهجهم لم تتضح بالشكل الذي يمكن وضع طرق متفق عليها في إطار هذه المناهج لذلك تبقى اختلافاتهم حول طرق الترجيح مرتبطة بالمذاهب الفردية وليس بالمناهج الجماعية.
* وللترجيح بين النصوص عند الأصوليين طرق متعددة مرتبطة بمجالات أربعة هي:
1- طرق الترجيح المرتبطة بالسند:
ذكر الشوكاني رحمه الله أنها اثنين وأربعين نوعا يمكن تقسيمها باعتبارات أربعة:
1-1-طرق الترجيح بين النصوص المرتبطة بالسند باعتبار الراوي وأهمها:
- ترجيح النص بكثرة رواته لأن احتمال الغلط او الكذب على الأكثر أبعد من احتمالها على الأقل، وخالف أبو حنيفة وبعض علماء مذهبه في ذلك فقالوا بأنه لا ترجيح بكثرة الرواة ما لم تبلغ الرواية حد الشهرة.
- ترجيح النص بأن يكون راوية أعلم أو أضبط او أعدل أو أوثق أو أورع أو أتقى من الآخر.
1-2- طرق الترجيح بين النصوص المرتبطة بالسند باعتبار طبيعة الرواية ومن أهمها:
- يرجح الحديث المتواتر على المشهور والمشهور على الآحاد والمسند على المرسل، وترجيح الرواية بالقراءة على الرواية بالإجازة، وترجيح الحديث المسند إلى كتاب البخاري على كتاب غير مشهور بالصحة
1-3- طرق الترجيح بين النصوص المرتبطة بالسند باعتبار المروي ومن أهمها:
- يرجح الحديث المسموع من النبي عليه السلام على المنقول من كتاب ويرجح المسموع من النبي عليه السلام مما جرى في مجلسه أو زمانه وسكت عنه، ويرجح المروي بالصيغة عنه عليه السلام على المروي بالفعل، ويرجح خبر الآحاد فيما لا تعم به البلوى على الخبر الوارد فيما تعم به البلوى.
1-4 طرق الترجيح بين النصوص المرتبطة بالسند باعتبارالمروي عنه ومن أهمها :
- ترجيح الحديث الذي لم يقع فيه انكار رواية المروي عنه على الحديث الذي وقع فيه انكار رواية المروي عنه .
2-- طرق الترجيح المرتبطة بالمتن:
وذكر الآمدي رحمه الله لها واحدا وخمسين نوعا أهمها:
- ترجيح المتن الناهي على الآمر لأن دفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة.
- ترجيح المتن الآمر على المبيح من باب الاحتياط
- ترجيح المتن الوارد بصيغة الحقيقة على الوارد بصيغة المجاز لعدم افتقار الحقيقة إلى القرينة على خلاف المجاز.
- ترجيح المتن الوارد بصيغة التخصيص على الوارد بصيغة العموم لأن الخاص أقوى في الدلالة من العام.
- ترجيح المتن الذي ذكر فيه الوقت على غيره عند أبي حنيفة
- ترجيح المتن الوارد بصيغة العموم والذي لم يخصص على المتن الوارد بصيغة العموم وخصص.
- ترجيح المتن المحكم على المفسر والمفسر على النص والنص على الظاهر والصريح على الكناية ودلالة العبارة على الإشارة ودلالة الدلالة على الاقتضاء.
- ترجيح المتن المنقول عن القول على المنقول عن الفعل لأن القول أبلغ في البيان من الفعل.
3-- طرق الترجيح المرتبطة بالمدلول المستفاد من النص:
ذكر الشوكاني رحمه الله لها تسعة أنواع والآمدي جعلها أحد عشر نوعا أهمها:
- ترجيح النص الذي يدل على الخطر على الذي يدل على الإباحة عند الجمهور وخالف بعض العلماء فقدموا النص الدال على الإباحة على الذي يدل على الخطر.
- ترجيح النص الذي يدل على الإثبات على النص الذي يدل على النفي عند الجمهور وخالف الشافعية فقدموا النص النافي على المثبت.
- ترجيح النص الذي يدرأ العقوبة أو الحد على النص الموجب لها وخالف البعض ومنهم الغزالي رحمه الله.
- ترجيح النص المتضمن لحكم وضعي على المتضمن لحكم تكليفي لعدم ارتباط الحكم الوضعي بأهلية التكليف وخالف البعض فقالوا بالعكس.
- ترجيح النص المتضمن للحكم الأخف على المتضمن للأثقل لأن الأصل في الشريعة التيسير والتخفيف وقال بعض العلماء بالعكس.
4- - طرق الترجيح المرتبطة بأمر خارج عن النص:
ذكر الآمدي رحمه الله لها خمسة عشر نوعا والشوكاني جعلها عشرة أنواع كلها ترجح بين النصوص بأمور خارجة عنها أهمها:
- ترجيح النص الذي يعضده دليل آخر على النص الذي لا يعضده دليل آخر.
- ترجيح النص الذي عمل به أهل المدينة أو الخلفاء الراشدون أو كبار العلماء على النص الذي ليس له هذه الخاصية.
- ترجيح النص الذي ذكر فيه الحكم الشرعي معللا بعلة على الحكم المذكور بدون علة.
- ترجيح النص الذي يكون أقرب إلى الاحتياط عن غيره لأنه أقرب إلى تحصيل المصلحة ودفع المضرة.
- ترجيح النص المقترن بتفسير الراوي بفعله أو قوله على ما ليس كذلك لأن الراوي للخبر يكون أعرف وأعلم بما رواه.
- طرق الترجيح بين الأقيسة عند علماء الأصول:
للترجيح بين الأقيسة عند الأصوليين طرق متعددة مرتبطة بمجالات أربعة هي:
1- طرق الترجيح بين الأقسية المرتبطة بركن الأصل:
ذكر الآمدي رحمه الله أنها ستة عشر نوعا وجعلها الشوكاني والبيضاوي نوعين فقط أهم هذه الأنواع هي:
- ترجيح القياس الذي يكون حكم أصله قطعيا على الذي يكون حكمه ظنيا.
- ترجيح القياس الذي يكون دليل أصله النص على القياس الذي لا يكون أصله نصا كالإجماع مثلا.
- ترجيح القياس الذي يكون أصله على سنن القياس أي من المعاملات على ما كان معدولا به عن سنن القياس من العبادات لأن المعاملات أقرب إلى التعليل الذي عليه مدار القياس.
- ترجيح القياس الذي لم يدخل على أصله النسخ على ما هو مختلف في نسخه لأن الأصل في النصوص عدم النسخ.
- ترجيح القياس الذي له أصل تشهد له القواعد والكليات الشرعية على القياس الذي أصله لا تشهد له القواعد والكليات الشرعية.
2- طرق الترجيح بين الأقيسة المرتبطة بركن الفرع وله أنواع أهمها:
- ترجيح القياس الذي يكون فرعه متأخرا عن أصله على القياس الذي يكون فرعه متقدما لسلامة القياس الأول عن الاضطراب.
- ترجيح القياس المقطوع بوجود علته في فرعه على المظنون وجودها فيه لأنه أغلب على الظن.
- ترجيح ما كان حكم الفرع ثابتا فيه بالنص على ما لم يكن كذلك لأنه أغلب على الظن.
3- طرق الترجيح بين الاقيسة المرتبطة بركن العلة:
ذكر الآمدي أنها تصل إلى أكثر من تسعة وعشرين نوعا أهمها:
- ترجيح القياس الذي تكون علته قطعية أو مجمع عليها على الذي لا تكون علته كذلك.
- ترجيح القياس الذي تكون علته مستنبطة بمسلك السبر والتقسيم على المستنبطة بمسلك المناسبة والدوران لأن السبر والتقسيم دليل ظاهر على كون الوصف علة للحكم على خلاف غيرهما.
- ترجيح القياس الذي تكون علته بالإيماء على القياس الذي تثبت علته بطريق المناسبة لأن العلة الثابتة بالإيماء هي ثابتة بطريق النص والثابتة بالمناسبة هي ثابتة بالاستنباط وما يثبت بالنص مقدم على ما يثبت بالاستنباط.
- ترجيح القياس الذي تكون علته مؤثرة وباعثة على تشريع الحكم على العلة بمعنى الأمارة.
- ترجيح القياس الذي تكون علته مرتبطة بمصلحة ضرورية على القياس الذي تكون علته مرتبطة بمصلحة حاجية أو تحسينية والقياس الذي يكون مرتبطا بحفظ أصل الدين على الذي يكون مرتبطا بحفظ أصل النفس أو العقل أو المال.
4- طرق الترجيح بين الأقيسة المرتبطة بأمور خارجة عن القياس ولها أنواع أهمها:
- ترجيح القياس الذي يكون مطردا في الفروع على ما لم يكن كذلك لأن الاطراد يزيد القياس قوة.
- ترجيح القياس الذي انضمت إلى علته علة أخرى على القياس الذي لم ينضم إلى علته علة أخرى لأن ذلك الانضمام يزيده قوة.
- ترجيح القياس الذي ينضم إليه مذهب الصحابي عند القائلين بحجيته.
- ترجيح القياس الموافق للأصول والقواعد الشرعية في الحكم والعلة على ما ليس كذلك لأن موافقة الأصول والقواعد الشرعية لحكم القياس أو علته يكثر من أدلة ذلك القياس ومعلوم أن كثرة الأدلة من المرجحات المعتبرة عند علماء الأصول.
التعارض و الترجيح
Loading...