ما إن تصبح شهادة البكالوريا ” بالجيب ” حتى يذهب فكر كثير من الطلبة الجدد إلى الراحة ” بما أنهم اجتازوا المرحلة الأصعب ” ، بينما هذا ليس هو الحال ، فالقادم أصعب إذ أن اختيار المدرسة هو اختيار للمهنة بل هو اختيار لحياة بأكملها. لكننا نتناسى أن هذا الاختيار يمر عبر امتحان دخول، وامتحان شفوي، وترتيب وإعداد قبلي لا في آخر اللحظات.من المؤسف-  في سياق الاحتفال بالنجاح-   إهمال هذا المعطى الهام.

شهادة البكالوريا شعبة العلوم الرياضية ـ ب ـ مع مرتبة الشرف ، هدف تم تحقيقه : الوصول إلى مدرسة عليا للهندسة المعمارية أو الهندسة وكثير من الثقة بالنفس. كان هذا أنا مباشرة بعد البكالوريا.  ولكن هذا لم يدم طويلا، فقد اختفت هذه الجرعة الزائدة من الثقة مفسحةً المجال لخيبة أمل كبيرة.

لم يتم اختياري حتى لمدرسة الهندسة المعمارية و فاتتني بسهولة امتحانات الدخول لِ ENSA و  ENSAM لأجد نفسي بلائحة الإنتضار للأقسام التحضيرية : تحت الضغط كنت على استعداد لمتابعة حلمي في تونس، ولكن شاءت الأقدار غير ذلك ، فكان لي أن قبلت ب ENCG !

تغيير جذري من مجالات الفيزياء والرياضيات وعلوم المهندس  إلى الضرائب والمحاسبة والتسويق!

من كان يظن أنني سأتوجه لمجال الاقتصاد ؟ لا أحد ! ( باستثناء والدي الذي كان يتمنى ذلك بشدة بحكم عمله في هذا المجال غير أنه لم يفرض ذلك عليَّ قط )

ب !ENCG  كنت مصابة بخيبة أمل وواثقة  في الآن ذاته !  خيبة أمل لكوني لم أتمكن من الوصول إلى مدرسة أحلامي، ولكن ثقة لتمكني من دخول هذه المدرسة. لكن بأي ثمن ؟ الثمن هو حلمي ! أثناء العطلة لم تترك هذه المشاعر المضطربة  ذهني. لقد تأتى لي النجاح بالسنة الختامية للبكالوريا من جهة لكنني فشلت في تحقيق حلمي من جهة أخرى. كثيرة هي الأسئلة التي تدور في ذهني ؛ وإذا كنت أخطأت الخيار؟  وهل كان من المفترض أن أقاتل من أجل حلمي حتى النهاية؟  ثم هل سأتمكن من مسايرة هذا التغيير ؟ والقائمة تطول…

باختصار يمكن القول أنه كان لدي فن تضخيم الأمور وجعلها أكثر درامية. دام ذلك حتى أسبوع الدخول حيث تغير رأيي كليا ؛ بين المقالب بداية ، المؤتمرات التي تعقدها الهيئة الإدارية في المدرسة ، مقابلة أشخاص جدد  خففوا من الشعور بالغربة ، والشعور بالاستقلال و المسؤولية ، صمت تام! اكتشفت عالما آخر ، تناسيت بيتي لأتواجد هناك ، تناسيت الراحة لأجد نفسي في اللاراحة ، ويجب أن أبذل مجهودا مضاعفا ، تحدٍّ لا يمثل شيئا  مما عشته منذ طفولتي حتى  أصبح عمري 18 سنة.

منذ ذلك اليوم أصبحت على بينة من حقائق: إذا ما عجزت عن بلوغ حلمي؛ فهذا لا يعني دائما أن كل ما سأقوم به محكوم بالفشل، بل على العكس من ذلك لقد كان سببا إضافيا لتعبئة المزيد من الجهد. لقد كان ذلك حافزاً.

يوما بعد يوم، يتبين لي أنني كنت موفقة في الاختيار، ينمو حافزي تدريجيا لتغذية أحلامي وأهدافي.اتضح أنني اتخذت القرار الصحيح ، لقد كنت في المكان المناسب حيث أشعر بالراحة. كونت صداقات وأصبحت أكثر اطلاعا على المجال.

مرت سنتان، أصبح الانزعاج راحة و خيبة الأمل فخراً، بالحديث عن الفخر: أنا طالبة بالمدرسة الوطنية للتجارة والتسيير وفخورة بذلك.

ما يجب استخلاصه : كونوا عازمين واختاروا التوجه إلى مجال أو تكوين معين لكن مع الإبقاء الدائم على قدر من المرونة لتجنب أي صدمة أو اكتئاب في حال الإخفاق في تحقيق الهدف المرصود. يجب أن تتوفر لكم معرفة الكيفية التي بها ستحولون هذا الفشل إلى نجاح، ثقوا في أنفسكم ولن يخيب ظنكم.

بالتوفيق لكل من سيجتاز السنة الختامية للبكالوريا هذه السنة.

النص الأصلي ( الفرنسية ) : مريم كمال.

logo-iscae